دمشق ـ 'القدس العربي' ' قلت... سأجرح هذا الصمت بقليل من الشعر، طيرت ما أملك من عتادٍ، ريشة... فكرة، فنفخ عليها الأصدقاء لتعلو... لتعلو... لتعلو...' بهذه العبارة قدمت الشاعرة السورية هالة محمد لملتقى '48 ساعة شعر'، والذي جمع شاعرات عربيات في ' تياترو- دار الفنون' عبر أمسيتين، امتدت كل منهما لساعتين.
قد لا نختلف على جمالية الفكرة وأهميتها، رغم سؤال يصدمك هنا وآخر هناك، لماذا كانت (12) شاعرة عربية فقط في هذا الملتقى؟ لماذا اقتصر الملتقى على الشاعرات دون الشعراء؟ أهمية التمويل والرعاية الكفيلة بإنجاح هكذا ملتقى؟ مع أن هذه النقطة الأخيرة تفتح باستمرار على مواجع الثقافة العربية، التي تبحث عن راعٍ لنشاطاتها، وقلما تجده، لكنها حين تجد هذا الراعي تًُثار أسئلة أخرى حول الراعي والرعاية، هو وجعنا الذي لا ينفك يحاصر المثقفين في ظل غياب المؤسسة الرسمية عن رعاية النشاطات الثقافية، مع أن دمشق هذا العام عاصمة للثقافة العربية، لكن الأمانة العامة للاحتفالية ومنذ قرار تشكيلها مطلع العام المنصرم ما زالت تهجس باهتمامات أخرى. هالة محمد في تقديمها قاربت الكثير من الأسئلة التي تراودنا، أعلنت أن دار 'الأوس للنشر' لصاحبها الفنان التشكيلي ياسر حمود هي الراعي الحصري للملتقى، إذ تبنت الفكرة من ألفها إلى يائها، وهذا يعني أرقاماً خيالية بالنسبة للمواطن السوري، خاصة إذا علمنا أن ضيفات الملتقى نزلن في فندق 'الآرت هاوس'. إضافة لهذا الراعي الحصري، أعلنت الشاعرة محمد أسماء العديد من الفنانين والمثقفين الذين ساهموا بإنجاح الملتقى، الفنان التشكيلي أحمد معلا: مصمم البوستر وغلاف الكتاب الذي طبعته دار الأوس ووزعته مجاناً، النجمة أمل عرفة والفنان غسان مسعود اللذين توليا تقديم الشاعرات في الأمسيتين، ' دار الفنون' ومديرتها رحاب ناصر التي قدمت مع المديرة الفنية للدار الفنانة مي سكاف صالة ' تياترو' لإقامة الملتقى، كما شاركت عازفة الهارب رهف شيخاني في ارتجال موسيقيّ مرافقة لأجواء القصائد، وعدد كبير من الفنانين والشعراء ساهموا في إنجاح هذا الملتقى. أما عن غواية تخصيص الملتقى للشاعرات العربيات فتضيف هالة محمد 'شاعرات كتبن ويكتبن قصيدة النثر، شاعرات فقط، حباً بالمذكر... واختيالاً بالأنثى' مع التأكيد على رفض مفهوم النسوية الضيق في الأدب... شاعرات امتلكن فرادة الرؤيا والأسلوب رغم تباين الأجيال ومساحة التجربة لكل منهن. المسألة التي أعلنها الملتقى هي انحيازه المطلق إلى قصيدة النثر 'قصيدة النثر لا تعتدي ولا تدّعي!... هي إيقاع التغيير الدائم، المرادف ربما في الحياة، لحلم الشعوب بالتطور... تجرح مخمل الضوء المستقر عصراً في شوارع المدن الآمنة، ولا تكرس المكرس وتقدسه على حساب الطزاجة والتجربة، طزاجة اليوم هي رصيد الآتي في التجربة، ... التي لا تؤسس لسلطة ثقافية، بل تثور عليها'. ربما يفسر القول السابق تلك الحالة الملتبسة في واقعنا بين السلطة الثقافية وقصيدة النثر، بل ويبين كل أشكال الثقافة المعاصرة، حيث يؤكد الملتقى الشعري بأنه 'ملتقى مستقل في دمشق، ملتقى سنوي يبدأ ليستمر! نفتش للشعر ولنا عن مساحات حرة في إيقاع المدينة، ليست مناسبةً وليست مهرجاناً، هي تأسيس لحالة شعرية!! إن استطعنا إليها سبيلاً'. شاركت في هذا الملتقى الشاعرات : نجوم الغانم من الإمارات، بروين حبيب من البحرين، داليا رياض من العراق، وفاء العمراني من المغرب، أشجان الهندي من السعودية، فاطمة قنديل من مصر، بانة بيضون ولوركا سبيتي من لبنان، نوال العلي من الأردن، سمر عبد الجابر من فلسطين، ولينا الطيبي وهالة محمد من سورية. فهل حققن الحالة الشعرية التي يصبو إليها الملتقى؟. لا بد من الاعتراف أولاً بتباين سويات المشاركة، واعتقد أن هذا شيء طبيعي في أي ملتقى إبداعي، لكننا إذ نلاحظ أن سورية ولبنان حظيت كل منهما بمشاركتين مقابل مشاركة واحدة لباقي الدول العربية، فإننا نتساءل عن غياب أسماء مهمة في الحالة الشعرية التي تتقاطع مع أهداف الملتقى وتوجهاته، وأنا أسجل هنا بعضاً مما أثير بين الحضور من علامات استفهام لا أكثر. ولكننا كي نذهب مع السؤال لنهاياته، نستحضر مقارنة عجلى بين مهرجان قصيدة النثر الذي يقام للعام الثاني أو الثالث في المركز الثقافي الروسي بدمشق، وبين ملتقى 48' ساعة شعر'، حيث يحتفي الاثنان بقصيدة النثر، فنلاحظ أن المهرجان الأول يستجدي الأسماء المحلية التي تكتب قصيدة النثر، حتى أن الكثيرين ممن عُمدوا كشعراء لقصيدة النثر في سورية يقاطعون هذا المهرجان، مشاركة ومتابعة وحضوراً، بمن فيهم المشاركات في ملتقى '48 ساعة شعر'، بالطبع نحن هنا لا نتحدث عن المشاركة العربية، إذ أن مهرجان قصيدة النثر لا يملك من التمويل إلا قاعة المركز الثقافي الروسي، والتي قد لا يرغب بارتيادها كثيرون من شعراء وشاعرات قصيدة الحداثة. بينما الجمهور الذي غصت به صالة 'تياترو' لحضور الملتقى الشعري، وبشكل خاص الفنانين الكبار، غالباً ما تعزّ رؤيتهم في أي مناسبة ثقافية، ناهيك عن مناسبة للاحتفاء بقصيدة النثر. والمفارقة أن الفنانين من الحضور فاقوا كتاب قصيدة النثر والشعراء عموماً، فإذا كانت خانة المشاركة لا تتسع لهم، فإن صالة 'تياترو' ستتسع لهم حضوراً ومتابعة، وهو ما لم نلحظه في هذا الملتقى وسواه. الإشكالية تتعدى حدود تنظيم الملتقى، بل هي تدخل في صميم الحالة الثقافية التي تشهد إحباطاً متزايداً باستمرار، إحباطاً يكاد يسدُّ كل مسامات الشعر وبشكل خاص قصيدة النثر التي تثور على السلطة الثقافية، مما يتركها وحيدة على قارعة الطريق تلتقط صور انكسارات المدينة والعشاق وخيبات المواطن العائد إلى منزله كل ظهيرة أو مساء. مع ذلك نذكر بأن أكثر من شاعرة ضاقت بها أمداء قصيدة النثر، فبحثت لنفسها عن مكان في قصيدة التفعيلة، إيقاع هنا... قوافٍ تتكرر، موسيقا تُسعف الإلقاء، لكن حتى هذه الحالات بقيت أمينة للغة اليومي والذاتي بعيداً عن الخطابية واللغة القاموسية، بل تلحظ أن المفردات اليومية والعامية والدخيلة التي تغزو أسطر القصيدة باتت كثيرة، تقول بروين حبيب من البحرين: ملاءتي هبوب نسمة في نهارٍ ضاحك معصيةٌ لاعبةٌ في مدينة على البحر... أدخل في الكادر، ولا أخرج أبداً. ابتسامتي الفوتوغرافية تنهرُ قلبي . بينما تأخذنا أشجان الهندي من السعودية في إيقاعات عالية: كل ماء لم يكن وجهي -إذا ما اشتد جدبي- يرتضيهِ كل ماء لم يكن وجهي ولا كانت عروقي تصطفيهِ غرقٌ تشتاقه الروح وسيل تشتهيهِ ولنعترف أن هذا الملتقى قدم أصواتاً جريئة، لم تتميز بعد في تجربتها، لكنها أعلنت عن إرهاصات مبكرة، فسمر عبد الجابر من فلسطين، ولوركا سبيتي من لبنان أو داليا رياض القادمة من العراق وصولا إلى نوال العلي من الأردن استطعن أن يؤكدن حضورهن المبكر في مساحة الشعر، تقول نوال العلي: يوشك نومي أن ينتهي وما زال جسمي على ضفة النهر لا يتبدل شكله سوى أنه يتنكر لله. ويتقوس كالسلك المعقوف على عرق الماضي. على ضفة نهر الرغبة، كانت حبات الفستق في كيسٍ ورقي لها رائحة الطين، والتوق إلى أشياء مالحة تتراكم في عقلي الباطن. آنذاك تعرفت على شُغل البستنة في بيتي النفسي. قصائد جميلة كثيرة ألقيت، شاعراتٌ نثرن لغة القلب في مساء دمشقي، وكانت قصيدة النثر كأنثى جاوزت سنّ اليأس وما زالت تحمل بريق الشهوة في عينيها، ما زالت تتقد منذ خمسة عقود ونيف، تثور على 'السلطة الثقافية' سلطة ما هو رسمي، مهجن، مؤطر، مقدس ...دون أن تلقى التقدير الذي يستحقه الثوار، ودون أن تتزين بنياشين الانتصارات التي يوزعها نقاد أكاديميون يضنون عليها بالاعتراف رغم أنها انتشرت أفقياً في مساحة الوطن العربي. ومع ذلك نحن نأمل لملتقى '48 ساعة شعر' أن يتحول إلى 360 يوماً من الشعر في حياتنا، نأمل أن يتسع لكل التجارب الجميلة والمتفردة في تكوينها، ونأمل أن يشكل حالة شعرية ما زالت في حيز الرغبة أو الشهوة إن صح التعبير، أكثر مما هي واقع ملموس. |
سيرة
شاعرة وباحثة أكاديمية وعلمية في الحقلين الثقافي والأدبي / خبيرة إعلامية للعديد من الدورات التدريبية المتخصصة في مؤسسة دبي للإعلام،ومساهمة في تميز المؤسسة عبر إطلاق أوائل البرامج الثقافية الحوارية على مستوى الخليج العربي / حائزة على جائزة المرأة الديناميكية للعام 2011 على مستوى القارات من جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية، لتنال بذلك أول جائزة عالمية تمنح لقصص نجاح نساء حول العالم قدمن تجارب مضيئة، ولتدرس قصتها لطلبة الجامعة ضمن أكبر شبكة عالمية (أون لاين) / ترجمت قصائدها إلى سبع لغات / حاصلة على دكتوراه في النقد الأدبي - تقدير امتياز عام 2004م
الأربعاء، 16 نوفمبر 2011
ملتقى الشاعرات العربيات بدمشق (آرت هاوس) 48 ساعة شعر عام 2008
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق