عبده وازن/
جريدة الحياة – العدد 15395 / 26 مايو 2005د
يدخل برنامج "نلتقي مع بروين حبيب" عامه الثاني خلال أيام، ومعه تكون الشاعرة والإعلامية البحرينية حققت خطوة مهمة ليس فقط في تلفزيون "دبي" وإنما في مسيرتها الإعلامية الرصينة والفريدة.
وقد يسأل سائل: كيف تمكنت بروين حبيب ـن تتخلى عن خلفيتها الأكاديمية، كونها تحمل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، لتطل إطلالة تلفزيونية، فيها من العمق والثقافة ما فيها من اللطافة والأنس؟ لم تكن بروين في أي إطلالة لها متغطرسة أو مدعية بل كانت دوما على مقدار كبير من التواضع والألفة اللذين يخفيان الكثير من الوعي والمعرفة.
تخلت بروين عن لقب "الدكتورة" وعن صفتها كناقدة أكاديمية وأبرزت وجهها الإعلامي المناضح بالثقافة والعلم. ونجحت حتما في توظيف خبرتها الأكاديمية في عملها الإعلامي، من خلال الأسئلة التي تواجه بها ضيوفها، من أدباء وفنانين وإعلاميين، وعبر الحوار الذي تدخل فيه معهم، متطرقة إلى قضايا عدة، بسيطة ومعقدة، وشائكة في أحيان. ولا غرابة أن تبدو بروين حبيب في بعض الأحيان أشد إلماما بالشؤون المطروحة من بعض الضيوف.
وهذا الكلام لا مجاملة فيه، فهذه الإعلامية الآتية من الاختصاص الأكاديمي ليست مجرد مقدمة برنامج أو معدة له، بل هي صاحبة رؤية وموقف، تنطلق منهما لتحاور وتناقش فاتحة أمام الضيف باب الحرية في التعبير والرد والمساجلة.
نادرا ما يتقي في شخصية الإعلامي أو الإعلامية ما التقي في شخصية بروين حبيب: المعرفة والحذاقة والبداهة والتواضع والقدرة على الإصغاء إلى الآخر، عطفا على الحضور اللطيف والإطلالة الجميلة وغير المصطنعة. وكم تذكر بروين ببعض الإعلاميات العالميات اللواتي يعتبران أن الإطلالة التلفزيونية هي أولا وأخيرا إطلالة ثقافية، لا علاقة لها بالجمال الخارجي أو الاستعراض أو الشكلانية. هكذا تطل بروين إطلالة خاصة جدا لا تشبه إلا نفسها، دامجة بين الإحساس المرهف والذكاء والعفوية والبداهة البارقة. فهذه الإعلامية هي شاعرة قبل أي صفة أخرى، وهي أيضا ناقدة أكاديمية صدرت دراسة مهمة عنوانها "تقنيات التعبير في شعر نزار قباني" (1999، المؤسسة العربية، عمان –بيروت)، وكاتبة صحافية صاحبة زوايا عدة في مجلات خليجية، ولديها خبرة طويلة في حقل الإعلام الإذاعي والدراما الإذاعية والتمثيل المسرحي. وكانت قدمت الكثير من البرامج في قناة البحرين الفضائية وإذاعة البحرين وتلفزيون دبي وإذاعة دبي. وشاركت في الكثير من المؤتمرات الأدبية والإعلامية ويصدر لها قريبا ديوان شعري جديد بعد ديوانها "جولتك الخائفة طفولتي الولاقية" وكتاب في عنوان "دانتيلا" وآخر عنوانه "قصيدة المرأة في الخليج 1975-2001".
ومن تابع برنامج "نلتقي.." لاحظ من دون شك، صفة التنوع التي تسمه، فهي شاءت هذا البرنامج ثقافيا في ما تعني الثقافة من تعدد واختلاف وتنوع: من الرواية إلى الشعر فإلى النقد والسينما والتلفزيون والمسرح، من التمثيل إلى الإخراج، من الموسيقى إلى الرسم، من الإعلام إلى النشر، من قضية المرأة إلى قضايا المجتمع...وهكذا استقبلت الكثير من الأسماء اللامعة عربيا: عبدالله الغذامي، واسيني الأعرج، هيثم حقي، نضال الأشقر، عادل إمام، علوية صبح، رفيق علي أحمد، سميحة أيوب، جمال الغيطاني، نوال السعداوي، أمل عرفة، تركي الحمد وسواهم...واللافت أن بروين حبيب تسعى إلى التوفيق بين الذائقة العامة أو الشعبية في معنى ما، والذائقة النخبوية أو الثقافية، وكأنها تتوجه إلى الجمهور العريض، فتجذبه، أيا كانت مشاربه وهمومه. وعبر هذه الطريقة استطاعت بروين أن تصالح الجمهور العادي مع الثقافة، معتمدة أسلوبا ذكيا، بعيدا عن الادعاء المعرفي والمجانية. وهي غالبا ما ترفق لقاءاتها بأفلام وثائقية قصيرة أو تحقيقات تتناول الوجه الآخر من الضيف الذي تحاوره.
قد لا تحتاج بروين حبيب إلى أي مديح، ما دمت فعلا في طليعة الإعلاميين العرب، لما تتمتع به من علم ومعرفة ولطافة وتواضع، وما دام برنامجها في تلفزيون "دبي" من ابرز البرامج العربية نظرا إلى فرادته وعمقه وانفتاحه على كل القضايا، الثقافية والفنية والإعلامية والاجتماعية.
إنه من البرامج النادرة التي يمكن القول عنها إنها نجحت في مخاطبة الجمهور وفي النزول إليه للارتقاء به.