سيرة
شاعرة وباحثة أكاديمية وعلمية في الحقلين الثقافي والأدبي / خبيرة إعلامية للعديد من الدورات التدريبية المتخصصة في مؤسسة دبي للإعلام،ومساهمة في تميز المؤسسة عبر إطلاق أوائل البرامج الثقافية الحوارية على مستوى الخليج العربي / حائزة على جائزة المرأة الديناميكية للعام 2011 على مستوى القارات من جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية، لتنال بذلك أول جائزة عالمية تمنح لقصص نجاح نساء حول العالم قدمن تجارب مضيئة، ولتدرس قصتها لطلبة الجامعة ضمن أكبر شبكة عالمية (أون لاين) / ترجمت قصائدها إلى سبع لغات / حاصلة على دكتوراه في النقد الأدبي - تقدير امتياز عام 2004م
إظهار الرسائل ذات التسميات حول الإصدارات. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات حول الإصدارات. إظهار كافة الرسائل
الاثنين، 20 فبراير 2012
الأحد، 19 فبراير 2012
الخميس، 10 نوفمبر 2011
الأربعاء، 19 أكتوبر 2011
معك القلب أحلام ورماد
بروين حبيب في "رجولتك الخائفة..طفولتي الورقية"
بقلم:د.رسول محمد رسول*
(جريدة أخبار الخليج/ العدد 8993 – 6نوفمبر 2002م)
"ثلاثون ، يا صديقي
مطر مطوق بالبرق، أم قصائد باكيات؟!
ثلاثون، والماضي أجراس تبتعد.."
هذا هو المقطع الأخير من قصيدة "ثلاثون" للشاعرة البحرينية المبدعة بروين حبيب، إنه المقطع الذي يكسف عن زمانية محايثة هي عقود عمرها الثلاثة، لكنه يكشف أيضا زمانية الألم، وصحوة الحيرة، واستيقاظ الدهشة بإزاء التساؤلات الجارفة عن لحظة عيش الوجود ي ذروة التناقضات، فقد يكون "المطر" الذي يطوقه "البرق" والذي لا يبدو إلا عراكا فضائيا بل سماويا هاربا من حضوره، المر الذي يجعل هذه الحالة قاعدة وهما ونمطا مسافرا مع عمر بروين.
إن حالة عيش الأضداد أو العيش تحت سطوتها يعد ظاهرة تتكرر في قصائد عدة من ديوان الشاعرة "رجولتك الخائفة..طفولتي الورقية"..وهو عنوان يميل فورا إلى ثنائية ضدية بين رجولة خائفة وطفولة ورقية رقيقة، بل يميل إلى ندية أنثوية هي الأخرى تظهر كتكرار في نسيج قصائد الشاعرة التي تشتغل على توتر الرؤية والعلاقة بين طرفين يتناقضان في فضاء المشاكسة على رغم كونهما يلتقيان في وهج سجادة الحب.
تضع بروين الرجولة، بكل ما فيها من خشونة الأثر، إزاء طفولة شفافة بريئة ربما لا تقوى على المواجهة، لكنها تواجه وبلغة ندية خشونة الآخر، وعبثه، وسطوته، وخيانته، وكل ذلك في غضون رغبة الاحتفاظ بالآخر(الرجل)، وامتلاك موجوديته لئلا يتناهى إلى قطيعة مطلقة عن موجودية الشاعرة ذاتها والرحيل إلى غير رجعة، لذا في وطن الاختلاف وأحوال الهاوية التي تزاحم موجودية الآخر..ن تقول بروين:
تحت هشيم غربتي، كالغيمة المنفردة، أعود شاهقة
معك،
لعلّي أحاذر سخط المبعدين،
وأضيء قلبك ساعة الهاوية.
..لقد عمدت الشاعرة البحرينية بروين حبيب إلى تنفيذ تجربة ذاتية مزدانة بمخيال القصيدة النسوية، وهذا ما جعل الديوان بكل قصائده الواحدة والعشرين، يظهر لقارئه كقصيدة واحدة، تتدرج زمانيا ضمن تحولات لذات ولوعة الألم والانكسار المتبادل بين طرفي التجربة.
وفي هذا نلاحظ أن قصيدة بروين هي قصيدة صورة تجسد المعنى وفق لغة سلسة، عذبةـ حالمة، لماحة، عفوية في هديرها الشعري والموسيقي.إنها تجربة للألم والضياع، الحنين والرغبة، الرجاء والعتاب، الحب والجفاء، لكنها تبقى تجربة الحربة والجمال والمعرفة والطفولة.
*كاتب من العراق
ما هي العلاقة بين نص الرجولة الخائفة وسياق طفولة الشاعرة بروين حبيب الورقية!؟
بقلم:د.مكي محمد سرحان
(الأيام / العدد 4707 / 22 يناير 202م)
قصائد ديوان "رجولتك الخائفة طفولتي الورقية" تضعنا مباشرة أمام العلاقة بين النص والسياق، بل تضعنا الشاعرة بروين حبيب أمام عمل مخيلتها الخصبة في مواجهة الفن الأصعب، عالجت أبيات قصائدها ظاهرة تدفق الصور والمشاعر والأفكار والرغبات لجيل الشباب، في قوام فني فاتن، ترمي إلى بناء شعري ينهض على صور وتراكيب مبتكرة ويشف عن خبرة وتجربة لافتة بضراوة الوجد الذي يتوطن قيعان الروح العميقة ذات الغابة الخضراء، فيتحاور اللطف والوحش في نفسها.
ينشط هذا الحب من حين إلى آخر، فيقرع بحدة جدران الجسد الداخلية، يصفق بجناحين كطير حبيس في قفص يجاهد الواقع ويأتي واد سيلا عرمرما، هادما كل السدود التي تحتبس القلق، ويبعث حمى واشتياقات ورؤى في تخوم القلي العاشق..فتعبر التمائم بماد طراوة الطمأنينة، غير جامحة كخيول البراي، لكنها حارقة كالنار..ألحانها تقول"في بهجة اتوسدك":
النص الغائب، معك
أذهب في غفلة، وفي بهجة العراء
روحي تزور أسماءك.
أسمائي؛ ما تبقّى من امرأة في خاتمة.
لست سليل البهاء حتى تهبط وراء الضجيج
تعبر التمائم، وتترك القلب في دم اللذة.
يرى في هذه المناحة الشعرية للشاعرة بروين حبيب، الأرضية الصحيحة، أما سببها فهو زئبق الواقع الثقيل على العاشقين بحكم مرارة الحرمان بمفهومه الطقوسي المعتاد، وسببها أيضا، إرادة ما ليس لنا عليها قدرة في الوقت ضدها، ولن تكون لنا إرادة على تفادينا، وهنا يبدأ بتخير الواقع على غلبان مرجل ألسنة لهب الاشتياق وصهارات النفس، وبدء التصعيد ومناوشات "قديم الرغبة" بما فيها من سراب، في حمى مركونة تلهث سعارها للقبض على واقع قراري لاختطاف البحر من لغته:
كان وجهي في المرآة ماء التّباهي،
قديم الرغبة،
كنت أختطف البحر من لغته
وأعود بالشهقة.
الشعر هو الطفولة، والطفولة لعب، وأصعب أمر على الشاعرة بروين حبيب أن تقول الشعر، بالشعر، عن الشعر، أصعب عليها ألا تصارح أحدا بشيء عن ألم الحب، والشعر هو الحب، والحب ألم مكنون أحس وكأن بروين تخاطبني قائلة: أنا أنطفئ حتى الخواء عندما أكتب أبيات العشق، فكيف سيكون أمري عندما أقرؤه كتابة..أشعر بأني أنكفى إلى الداخل حين أمنح الحبيب رأفتي كصهوة فجر، مستغيثة بسراب الأيام الخوالي، على أن استقبل من ذكراها ذلك الذي يأتي ولا يأتي..وعلني أشكو سوء طالعي من لحظة كنت أشاهدها، وأصبحت شهدها وشهيدتها ولمن أشكو وأنا التي استنشق عطر الحبيب الباهت ليلنا سؤال:أوفيك الخصام وأنت الخصم والحكم؟!
أمنحك رأفتي؛ صهوة الفجر
ها هناك أتوسّد سمرتك
وأذهب في عطرك الباهت.
ليلنا سؤال مصقول.
أعمر آخر ينتهي، أم هي الأسماء تنأى؟
يبادهها الشعر الذكرى، تفر إلى غيره لكنها سرعان ما تقع فيه، وينبثق أمام يقظتها الحبيب فتردد قصائد التأبين قائلة: أروح مختالة إلى معابد العشق والجمال، ,أرى الحفاة يستلقون على الطرقات، أتصيد النعاس ورذاذ الهوى، كي أتكيف مع خفق الحرمان إلى حد ما، أو استنجد بالعقل الباطني ذلك الكفيف بأن لا يزداد عمى، لكي انعم بخدر متكئ على نعمة إلهية..ولكن الحب هنا تبادلت فيه الأدوار مع تجربة الشاعرة بروين، على هيئة التقمص والحلول والتناسخ، فكان الفيض حين تقول:
الحفاة يستلقون على طرقات،
والتأبين يسطع في خفق سهوك،
الخرافة تراق..
خدر متكئ
أفتح معه ما تبقّى من أنفاس تؤوب..
مع بروين حبيب، كما مع فاطمة التيتون وفتحية عجلان وفوزية السندي، وكما مع قيس وجميل وكثيرة عزة، كما مع اراغون وركا وايلويا ونيرودا نتلظى بأبيات قصائدهم فيبعثرنا بنفحات من جمهرة الحشد والندم والحسرات واعتناق الروح ومنتهى الميلاد، وتراتيل قدسية في أغان موسيقية تهب مواراة الفراغ، تتجمع على الكلام في أمل العودة.. فها هي ذا بروين حبيب تقول في قصيدة " معطف العشب":
عدْ إلى فاتحة الروح؛ منتهى الميلاد،
إلى التي منحتك سارية الضوء وزند البحر.
حين تعتريني ساعة النزف أغتسل بمياه قصيدتك
أدفعك في الحلم
واراك
مطرا ونخيلا،
فجرا من لهب تحت سديم الحب.
كلما مس الشاعرة مس الحب – ان جاز لي التعبير- أو طاف بها طائف يختطف النفس الموحشة إلى ندائه الخفي وغبطاته الغريبة، أو كلما أصيبت بضربته نصاب بضربة شمس، راحت تتهاوى مع خيالاتها وظلالها فتفضح بالشعر الرومانسي، وتنشطر قريحتها وتتوالد لهفا وحنينا..أو تشتبك مع انفتاح الحواس على ضوء العالم الكاسر الجارح، ويفاجئها طلق الأصوات البذئي، فتئن وتتلوى، وتحتمل العناء كأكثر من شابة شاعرة، جاءت من سماء وشمس وقمر وكواكب ونجوم..قصائدها أكثر من بحر وأرض وهواء، وأكثر من شجر يتحرك ولا يطير من مكانه، وأكثر من معنى ربما يمكن لنا ألا نستطيع احتمال تصوير المرئي والمجهول لمكامن الحب فيه.
بروين حبيب وشعرية الشراسة والتناقض بين الأنثى والإنسان في المرأة
في مجموعة شعرية أولى
عمر شبانة
/ جريدة الحياة / 1سبتمبر 2001م
منذ عنوان مجموعتها الشعرية "رجولتك الخائفة طفولتي الورقية"، تبدأ بروين حبيب رسم ملامح صراع بين الرجل-المرأة، والذكر-الأنثى، بما تشتمل عليه علاقتهما من متناقضات وجماليات.
ترسم بروين ، بخشونة وصلابة لم تتميز بهما كتابة المرأة، معالم امرأة شرسة تسعى لإظهار "فحولتها" الغريبة، والغرائبية، بشعر يرتكز في أساسه على قوة منطق المرأة، ومنطق القوة لديها، في الوقت الذي لا تتورع عن إبراز مواضع ضعفها وشفافيتها ورهافتها. فهي، من جهة، امرأة تعدو "في فحولة الضوء، على الأرض"، بما ينطوي عليه ذلك من تناقض بين الضوئي والأرضي، وهي من جهة ثانية تعلن " كنت اختطف الحر من لغته وأعود بالشهقة"، وفي حال الخضوع لرجل نجدها تتعبد كأي صوفية في محراب الحب"في وهج سجادتك / أقيم/ وأتوحد".
لكن امرأة القصيدة امرأة صعبة، ذات خطاب مقبل من موروث تختلط فيه الثقافات، ويطغى عليه التمرد والعصيان.
ثمة خطاب مقبل من وهج القصيدة الجاهلية "بجنب الغضى أزجيك إلى سر ينبجس"، يذكر بوادي الغضا حيث الشاعر القديم يزجي (القلاص النواجيا).
وثمة خطاب آخر يحيل على رمز مزدوج يجمع الأنوثة والفحولة كما في قولها "منذورة كالتفاحة العصماء/وأنت تقرأ أنوثتي"، حيث التفاحة ليست منذورة فقط بل هي "عصماء" أيضا، كما لو كانت خطبة من خطب كبار الأسلاف.
وما بين هذا الخطاب المدجج برموز القوة وعناصرها، وبين خطاب الرقة والغربة والعزلة والتوحد، ينمو في القصائد خطاب عشق حار، متدفق، وجريء، مفرداته، على صعيد البعد الأفقي للقصيدة، هي الحواس "زجاج الحواس" والجسد واللذة وحوار الأضداد بينها جميعا، وعلى صعيد البعد العامودي فيها تبرز مفردات هذا العالم الغني بعناصر الطبيعة، الماء، الليل، الجبل، البحر، العتمة (عتمة نفسية وعتمة طبيعية)، النار، الشجر، الفراشة، والمكان والزمان:
"الأمكنة العاشقة
لحظة البنفسج
كلما جئنا طفولاتنا
قم لننجب الزمن المدمّى."
هنا نجد الزمان والمكان مؤثثين بعلاقات قائمة، أو علاقات قيد الانطفاء.فالأمكنة عامرة بالكائن العاشق، لذا فهي تنطبع بطابعه، فتغدو عاشقة.لكن زمن الطفولة يطل بين ركام العلاقات ليمنح اللحظة زهوها وبهاءها-بنفسجها. فالحب هنا علاقة متعددة الأبعاد، يرسمها الشعر بلغة متوحشة، لغة تحفر في أعماق الجسد والروح.لغة الشعر تعبر عن علاقة "جسدين/سفرين" حينا، وكينونة نفسية تتمثل في "النزق المترع بغيث الجسد.."حينا آخر، كما تظهر الحب، حينا ثالثا، في صورة "صلافة الفراش حول الرغبة/الممات".فالحياة والموت وجهان لصورة العشق.
وتختلط في القصائد صور واقعية وأخرى مقبلة من الخرافة، مع صور تجسد الرغبة والشهوة في أشكال متعددة منها، صورة "الماء يتشقق"، ومنها "تعبر التمائم، وتترك القلب في دم اللذة". وتبلغ الأنثى حد الهتاف للرجل "أيها الحادث النائم في وسادتي.."فالموت حاضر في كل لحظة حب، لكنه الموت عشقا. الحب هنا موت هاوية، يتخلف منه رماد الملذات. والدخول في الحب يعادل تقحم "التجربة"، أو العزف المختلس في فسحة الخراب، أمام "شبابيك اليسار".
تنوع الشاعرة –إذا- على ثيمة الحب / الموت، والحب/ الحياة، فتستعير صورها ومفرداتها من هذين العالمين المتناقضين، خالقة تلك المفارقة الشعرية / الوجودية الكبرى. ومما يعزز هذه المفارقة، أن الأنثى هنا لا تنتظر الرجل، بل هي "تروده" في الغلس وتعده "..ولسوف لك وحدك"، وهي تعلم أن السرير يسرق القلب، كما تعلن أن الحب (الياسمين) مدجج بالموت "يختطفنا../ إلى رذاذ القبور". بهذه القوة، وبعنف، تتمنى امرأة القصيدة أن تعدو في دم الرجل، في دمه الصارخ، لتخلق فرحا لها، وفأسا لجسدها.
وتحتشد قصيدة بروين بمفردات تحيل الحب إلى "غزو"، وتجعل للالتصاق وحشة، وتبرز التبدد على أطراف موسيقى هاربة أو في موعد يتهاوى. ومن هذا الباب يمكن أن نرى، ونسمع، تكاثر حضور الليل، بما ينطوي عليه الليل من ابعاد واقعية ورمزية، في صور متعددة، من هذه الصور ما يرتبط بالكتابة "الليلة يغزو لونك رفيف القصيدة"، ومنها ما يبرز قلق المرأة قبيل اللقاء "أحمل توجس الليل الوئيد.."، أو ما يجعل الليل المشترك مثل "سؤال مصقول"، ومنها ما يذهب عميقا نحو "عزلة الكهنة ومغاور الحور".
وتعد الشاعرة، أحيانا، إلى الإفادة من إمكانات السرد، فتروي صورها الشعرية على نحو شديد الوضوح "ليلة كنت في معطفك العشبي/ طارحنا البرق، وتسربنا عميقا تحت الصدى"، فيما تعمد، في أحيان أخرى، إلى لغة شديدة الشفافية "..واهجع فيّ، حتى يستحيل التماع جسدنا/ برهة تنهمر"، على نحو يؤكد وحدة جسدين. أو هي تسعى إلى توكيد شفافية الجسد الذي سرعان ما يستيقظ، واستيقاظه يعني أن "تخبو اللذة". فالنوم، لا الصحو، هو سيد العشق واللذة. والنوم شقيق الموت. وتعي المرأة /الشاعرة أن العبور إلى "نداء الحصون" يكون عبر الأفواه، وهذه تحمل أكثر من دلالة يمكن تلمسها في بنية القصيدة.
وعلى رغم ما يهيمن على نصوص المجموعة من روح شبق، فإن هذه الروح تتقمص لغة شعرية مصنوعة على نحو شديد الرهافة والعمق. فليست الشهوة مبتغاة لذاتها. والجسد ليس سوى وسيلة إلى هدف. هذا يبدو جليا في كيفية انفتاح هذا الجسد "أروقة لأرواح تسافر في المؤجل". والمرأة ترفض أن يحيلها الرجل فريسة أو طريدة، فتدعوه "ملجأ الأيائل الطريدة"، وإذا كان ممكنا أن تغدو الأنثى صيدا، فهي "اصطياد محتشد". ربما محتشد بالضعف القاتل، وربما بالقوة الحانية والمفجرة للحب واللذة والجمال. ويبلغ تناقض المرأة في النصوص حدودا خارقة، فهي تخاطب الرجل "معك..القلب أحلام ورماد"، لحظة، وفي لحظة مقابلة تهتف به أو له "الوحدة فسحة الغزو وعدو الهزيمة".
وفي مجموعة بروين، وهي الأولى، إحالات على قصائد نزار قباني ونبرته، حتى من دون أن تهدي إليه قصيدتها "ثمة وقت"، التي يتكلم فيها صوت الشاعرة "...هنا تنسل كلماتي كالضوء / ملكتها خديعة الغرباء / خطيئة الأجنة / حناجر الملح...".
وثمة إشارات إلى شعراء وفنانين، بعضهم بملامح مألوفة، واقعية، والآخر بملامح متخيلة وبعيدة.
هي مجموعة مختلفة، نوعا، عما نقرأ من شعر لدى كثير من الشاعرات العربيات. مختلفة في وضعها رجولة الرجل في مواجهة طفولة المرأة. فما الذي يجعل رجولة الرجل تخاف "الطفولة الورقية" للمرأة؟ هل لأنه "سارق الأسى من حديقة فارسية".. وقرار الوتر النازف ساعة العاصفة..." ولأنها هي "أعمدة النار العارية"؟ وما الذي يجعل الرجل يتنامى "في الجسد المكتسي هدوء الخيبة"؟ نحن أمام أسئلة مختلفة لامرأة مختلفة، تحشد أسماءها في قائمة هي كل "ما تبقى من امرأة في خاتمة".
ومن نصوصها القصيرة.
حلمي العاري يعدو مع العاصفة
في فوضى الرغبة
أهرب بسرّ القلب، ساعة الزّحام..
أسرق الربيع من ساعديك، وأغمس في النار حلمي
أفوّح الوهم في غفوة الجسد.
الشاعرة بروين حبيب في "أعطيت المرآة ظهري"
صحيفة " الاتحاد" بغداد
الأحد, 06 سبتمبر 2009
بعد أن أطلت الشاعرة والإعلامية البحرينية،
بروين حبيب، لفترة طويلة، عبر شاشة التلفزيون وعبر أثير المذياع على كل بيت ومكتب في العالم العربي، وربما أكثر، من خلال برامج أدبية وفنية مختلفة ومنوعة ومتفردة، ها هي، الشاعرة نفسها، تطل مجدداً عبر الأدب، وعلى وجه الخصوص من خلال مجموعتها الشعرية الجديدة المعنونة "أعطيت المرآة ظهري" الصادرة للتو عن "دار الكوكب، رياض الريس 2009" للكتب والنشر في بيروت، بعد أن أصدرت تباعاً عدة كتب أدبية مختلفة بين الدراسة والشعر، مثل كتبها "تقنيات التعبير في شعر نزار قباني" وهي عبارة عن دراسة أدبية صادرة في العام 1999 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في العاصمة اللبنانية بيروت، ومن ثم اصدارها مجموعة شعرية تحت عنوان "رجولتك الخائفة طفولتي الورقية" أيضاً الصادرة عن نفس الدار في بيروت في العام 2001.
الإعلامية البحرينية، أو الشاعرة، هنا، بروين حبيب الحائزة عبر مسيرتها التعليمية على درجة البكالوريوس في الأدب العربي والتربية من جامعة البحرين العام 1993، والحاصدة لدرجة الماجستير بإمتياز في الأدب العربي من جامعة عين شمس بالقاهرة العام 1997، لم تكف البتة عن المشاغبة الحيوية والايجابية، مرئياً، عبر برنامجها التلفزيوني، من خلال حوارات جدية، صاخبة أحياناً، هادئة أحياناً أخرى، حوارات وسجالات محورية مع رجال ونساء فكر وأدب، من خلال أسئلة موجهة، هادفة تؤدي، بالنهاية، الى أجوبة صريحة، شفافة، بكل خفاياها.
في مجموعتها الشعرية الجديدة، تحيل بروين حبيب قارئها أو عموم قرائها، المختلفين، هذه المرة، لا مشاهديها، تحيلهم بألفة مشحونة بالود الى وحشة النفس الانسانية والبشرية، من خلال ايراد وتوظيف مفردات لها حيويتها، ويوميتها في كل زمان ومكان، مثل مفردات "الوحدة، الوطن، الغربة والمساء"، فتقول في مطلع المجموعة الآنفة الذكر "أترك مرفقي، أتركني، أمر الى فؤادي، وحدي هنا في شمس أيامي، وفي ظل البنفسج، ضوع أمسية قديمة".
لا نستطيع، هنا، المراهنة، ولو مغامرةً، أن الشاعرة بروين حبيب، بعد أن غزت باطلالتها، الشاشة الصغيرة، قد تغزو عالم الأدب بذات القوة، ولكن بمجرد قراءة أولية لكتاب "أعطيت المرآة ظهري" يتضح أنها مازالت ترى العالم مرئياً، ومسموعاً، بأوجاعه، وأنينه، حيث لا وجه، ولا وطن، والغربة هي الهجرة والمنفى بكل تأكيد، بعد أن لا يداً يلملم أغنيتها، فتكتب حبيب "لا وجه لي، لا اسم، لا وطناً يلم تراب أغنيتي، أتركني هنا في غربتي الأولى، وفي شمس كلامي، لي من شذا اللغة الغريبة، عندما يهوي المساء، على فؤادي، ياء بكت راء، وواو أورقت ياء على الألواح، والشمس خمرة فكرة في كأس نون".
إذاً "الشمس خمرة فكرة في كأس نون" ومن هنا تبدأ الفكرة، لتضح العبارة، أكثر، ولتبدو المفردة في حيرتها، في غيبوبة شبه تامة الى أن يوقظها على فجرها البرئ، الشاعرة بروين حبيب، ولكن بعد المقامرة على روح المفردة، ولكن الرهان هو الربح لا الخسارة، بعد أن دفع الكثيرون، شعراء ومبدعين، الضريبة من أرواحهم التائهة في سبيل جمال الشعر، الشعر لا غير، ذلك الشعر، بموسيقاه، وخشونته ومرونته معاً، ظل حيوياً، وظل منافساً بكل غموضه ووضوحه لصنوف الإبداع المتفرقة الأخرى في ظل هيمنة الرواية أوطغيان فنون الأدب الأخرى، ولكن لا ضير إن راهننا، نحن، الآن، مجدداً على الحياة النضرة للشعر بعد قراءة متأنية، وافية لمجموعة "أعطيت المرآة ظهري"، خاصة بُعدُ قصائد المجموعة عن النمطية السائدة في أغلب القصائد المنشورة في هذا الزمن اللامختلف، شعرياً، بعد أن يربك كتابها، جملهم القصيرة والطويلة، بالترتيب الممل، فهنا، لدى بروين حبيب، تظل هي في حيرتها، فهي الوردة العابقة بفكرة الحب، تقول ببساطة شاعرة "ذهب الرجال الى ظلالهم، وتركت في حيرتي، أنا الوردة العابقة بفكرة الحب".
تحتوي مجموعة "أعطيت المرآة ظهري" على إحدى وثلاثين قصيدة متباينة الطول، موزعة على مائة صفحة من القطع المتوسط، تتوسدها عناوين ستة رئيسة منها (شمس أيامي، ابتسامتي في التلفزيون، في ذكرى المطر، أربع بورتريهات للسيدة الصغيرة في مرايا الليل والنهار، الصدفة وفي جوار المرآة).
الإعلامية البحرينية، أو الشاعرة، هنا، بروين حبيب الحائزة عبر مسيرتها التعليمية على درجة البكالوريوس في الأدب العربي والتربية من جامعة البحرين العام 1993، والحاصدة لدرجة الماجستير بإمتياز في الأدب العربي من جامعة عين شمس بالقاهرة العام 1997، لم تكف البتة عن المشاغبة الحيوية والايجابية، مرئياً، عبر برنامجها التلفزيوني، من خلال حوارات جدية، صاخبة أحياناً، هادئة أحياناً أخرى، حوارات وسجالات محورية مع رجال ونساء فكر وأدب، من خلال أسئلة موجهة، هادفة تؤدي، بالنهاية، الى أجوبة صريحة، شفافة، بكل خفاياها.
في مجموعتها الشعرية الجديدة، تحيل بروين حبيب قارئها أو عموم قرائها، المختلفين، هذه المرة، لا مشاهديها، تحيلهم بألفة مشحونة بالود الى وحشة النفس الانسانية والبشرية، من خلال ايراد وتوظيف مفردات لها حيويتها، ويوميتها في كل زمان ومكان، مثل مفردات "الوحدة، الوطن، الغربة والمساء"، فتقول في مطلع المجموعة الآنفة الذكر "أترك مرفقي، أتركني، أمر الى فؤادي، وحدي هنا في شمس أيامي، وفي ظل البنفسج، ضوع أمسية قديمة".
لا نستطيع، هنا، المراهنة، ولو مغامرةً، أن الشاعرة بروين حبيب، بعد أن غزت باطلالتها، الشاشة الصغيرة، قد تغزو عالم الأدب بذات القوة، ولكن بمجرد قراءة أولية لكتاب "أعطيت المرآة ظهري" يتضح أنها مازالت ترى العالم مرئياً، ومسموعاً، بأوجاعه، وأنينه، حيث لا وجه، ولا وطن، والغربة هي الهجرة والمنفى بكل تأكيد، بعد أن لا يداً يلملم أغنيتها، فتكتب حبيب "لا وجه لي، لا اسم، لا وطناً يلم تراب أغنيتي، أتركني هنا في غربتي الأولى، وفي شمس كلامي، لي من شذا اللغة الغريبة، عندما يهوي المساء، على فؤادي، ياء بكت راء، وواو أورقت ياء على الألواح، والشمس خمرة فكرة في كأس نون".
إذاً "الشمس خمرة فكرة في كأس نون" ومن هنا تبدأ الفكرة، لتضح العبارة، أكثر، ولتبدو المفردة في حيرتها، في غيبوبة شبه تامة الى أن يوقظها على فجرها البرئ، الشاعرة بروين حبيب، ولكن بعد المقامرة على روح المفردة، ولكن الرهان هو الربح لا الخسارة، بعد أن دفع الكثيرون، شعراء ومبدعين، الضريبة من أرواحهم التائهة في سبيل جمال الشعر، الشعر لا غير، ذلك الشعر، بموسيقاه، وخشونته ومرونته معاً، ظل حيوياً، وظل منافساً بكل غموضه ووضوحه لصنوف الإبداع المتفرقة الأخرى في ظل هيمنة الرواية أوطغيان فنون الأدب الأخرى، ولكن لا ضير إن راهننا، نحن، الآن، مجدداً على الحياة النضرة للشعر بعد قراءة متأنية، وافية لمجموعة "أعطيت المرآة ظهري"، خاصة بُعدُ قصائد المجموعة عن النمطية السائدة في أغلب القصائد المنشورة في هذا الزمن اللامختلف، شعرياً، بعد أن يربك كتابها، جملهم القصيرة والطويلة، بالترتيب الممل، فهنا، لدى بروين حبيب، تظل هي في حيرتها، فهي الوردة العابقة بفكرة الحب، تقول ببساطة شاعرة "ذهب الرجال الى ظلالهم، وتركت في حيرتي، أنا الوردة العابقة بفكرة الحب".
تحتوي مجموعة "أعطيت المرآة ظهري" على إحدى وثلاثين قصيدة متباينة الطول، موزعة على مائة صفحة من القطع المتوسط، تتوسدها عناوين ستة رئيسة منها (شمس أيامي، ابتسامتي في التلفزيون، في ذكرى المطر، أربع بورتريهات للسيدة الصغيرة في مرايا الليل والنهار، الصدفة وفي جوار المرآة).
رجولتك الخائفة..طفولتي الورقية
جواد الأسدي
/العالم على راحة اليد – المرأة اليوم – العدد 104 – 4 مارس2003)
إن أوجاع امرأة رهيفة الروح، هو نهار مشمس يدمي الحياة بالسحر! هذا هو السطر الأكثر ملاءمة لفتاة تحمل الإرث المثمر في أرض حبلى بشعب يعاني!
ربما تبدو بروين حبيب أكثر الناس اللواتي يشبهن أنفسهن من دون انزياحات، ولا ادعاءات ولا تزوير، وبلا أقنعة، وطيبة القصيدة في ديوانها،"رجولتك الخائفة..طفولتي الورقية"، مثل طيبة الطقوس في نهارات الدعاء، حيث تستعير بروين عباءة أمها المتربعة على "هكذا تكلم زرادشت"، الممددة على قميص "عمر الخيام"، التائهة في قناديل الليل.
أقرأ قصائد بروين، لكن صورتها تبقى عالقة في متن إيقاعاتها المحتدمة، حيث تصير العزلة والسفر في المنامات والعفة وقنديل الطموح، والرغبة في الضحك، وتسلق السكوت وابتكار اليتم هي مفردات شخصها المرمي على ظل قصائدها التي تريد أن تصطاد من الرجل فروسيته الميتة في رجولته المقنعة، وأقنعته المتدلية من سقف جهله، أو وروده المرمية على الأخرى، شفيعة الأصباغ والنصوص! كأن الديوان بكليته هو جنة ذابلة تتوسل حطابا لا يتقن لقاء الصفصاف! ولا فجر الحدائق.
هذه هي بروين حبيب طفل صغير يسحب البحر بمنديل العشق، ملاك حلو الروح في بهو أجرد، وردة مستورة بالبكاء، عناق حار مع اللهاث والركض والصراخ من أجل كتابة الغد!
امرأة نادرة المعنى، سعفة غنوجة في نخلة عراقية تنبت على منامة المحبة! هكذا أراها، يطوقها المحبون بصخب رائع ثم ينفضون جميعا عنها كما ينفض جمهور المسرح وينفرط من بين أصابع ممثل مجنون!
ديوانها، مهرة حافية القدمين تمشي في بهو الاحتمالات، عنوانها، يحدّها من جميع جهاتها غبشة فريدة، وطفل مملوء بالنذور.
تحت هشيم غربتي، كالغيمة المنفردة، أعود شاهقة
معك،
لعلّي أحاذر سخط المبعدين،
وأضيء قلبك ساعة الهاوية.
***
منذورة كالتّفاحة العصماء
وأنت تقرأ أنوثتي،
تلتف كاللغز
وأنا فيك ناهلة.
عمري المثقل يفتح قامتك البعيدة.
***
أترك سريرك في يومه الأول
كما لو كان يسرق قلبي
أغنية.
أردية المقابر العتيقة تتمزق.
في وهج سجادتك
أقيم
وأتوحد.
لو أغادر نزق العود، صوت عزلتك
لو أعدو حيرة في دمك الصارخ،
وأختلق لي فرحا، وفأسا لجسدي.
بروين حبيب..وطفولتها الورقية!
كثيرا ما يتسلل قلمي بين أصابعي ليكتب أشياء لا علاقة لها بها، وكثيرا ما أنهره وما أمنعه عن القيام بأشياء كهذه، ولكن هذه المرة الأمر مختلف عندي فكلما منعت القلم عن الكتابة في موضوع كتاب الشاعرة بروين حبيب، وجدت نفسي أعود فأسمح له بالكتابة، حتى اشترطت عليه أن تكون الكتابة هذا الموضوع مجرد ترجمة للأحاسيس دون الدخول في تحليل قامة هذه الشاعرة الجميلة، وللأمانة أقول إنني عندما أمسكت ديوان "رجولتك الخائفة طفولتي الورقية"سسته مليئا بالأناقة والدقة في اختيار التعابير اللغوية العربية ولكن عندما قرأته وجدت أشياء كثيرة أخرى، شعرت كما أن الأنوثة أصبحت في كلمات بروين ذات معنى أكبر من "أنثى ورجل" وأعمق من مفهوم تصالح المرأة مع نفسها، فالشاعرة والمذيعة المثقفة بروين حبيب لم تكتف فقط بكتابة خواطر شعرية أو قصائد أو أي مسمى آخر، بل هي تلذذت بكل ما تحمله الكلمة من معنى في اختيار اللكمات والصور والدلالات التعبيرية لتنسج منها أبيات مليئة بالجرأة والإقدام تعجز عنه كثيرات من قريناتها في الوطن العربي وليس الخليج وحسب، بروين حبيب التي قدمت كتابها الأول عن شعر نزار قباني متأثرة به إلى حد المواجهة متأثرة بشعره إلى حد العشق، متأثرة بشاعرية رجولته إلى حد الأنوثة، تطل في ديوانها الأول لتقول في قصيدة سمتها بـ"رفيف":
رجولتك تخاف طفولتي الورقيّة
تشهق حيرة الصحراء
فسلاما، يا أبجدية النّحر.. أيا رجلا،
تعال
بقليل من النبيذ
خذ قلبي، وانسج كنزة له
خذ وجهي، وارسم في ليله،
واهجع فيّ، حتى يستحيل التماع جسدنا
برهة تنهمر.
هكذا، بكل هدوء، وبكل واقعية، وبكل شفافية الحب، تتقدم بروين حبيب نحونا حاملة همومها الأنثوية في أطباق شعرية، تتقدم بروين نحونا لتحملنا على أن نرفع قبعاتنا ونظهر إعجابنا أمام تجربة أولى من تجارها المنشورة بشكل ديوان الذي يعني من غلافه الكثير، أليس اللون الأحمر أهم الألوان وأقواها على الإطلاق وأليست هذه المساحة الحمراء في أعلى الكتاب دلالة على أهمية ما يحتويه؟
"زهو"
تحت هشيم غربتي، كالغيمة المنفردة، أعود شاهقة
معك،
لعلّي أحاذر سخط المبعدين،
وأضيء قلبك ساعة الهاوية.
بروين حبيب.. حيث يكون الشعر يطل بأنماط مختلفة
في مجموعة بروين حبيب (أعطيت المرآة ظهري) نماذج تثبت مرة أخرى انه حيث يكون هناك شعر فلا أهمية فعلا للنمط الذي يأتي فيه فحيث يكون الشعر يمكن أن يطل بأنماط مختلفة متعددة.
قصائد مجموعة بروين حبيب هذه لا تقتصر على تعدد في طريقة الأداء في القصيدة الواحدة بما قد يختلف أحيانا عن طريقة الأداء في قصيدة أخرى بل تتعدد أنماط التعبير حتى في القصيدة الواحدة وبشكل لا ينتقص من جمالية القصيدة بل قد يضيف أحيانا سببا إلى أسباب تأثيرها في النفس.
وشرط هذا التأثير هو الانفتاح الفكري على "المختلف" والخارج عن المألوف وتقبل الفني الجميل بأي من أشكاله. يعني هذا أن القارئ الذي لا يقبل من الشعر إلا التقليدي منه رافضا التصرف وفقا للحاجة الفنية بما جمعه الخليل بن احمد والذي لم تألف أذنه سوى أنماط محددة من الإيقاع والقافية قد لا يعجبه هذا النمط.
وقد يكون الأمر مماثلا بالنسبة إلى "غلاة" المتحمسين لقصيدة التفعيلة بتعدد أوزانها وقوافيها وحتى بعض المتحمسين لقصيدة النثر نفسها. ترى هل ننسى انه حتى في الحركات التحررية فنية وغير فنية التي عرفت عبر التاريخ كان دائما هناك محافظون منفتحون.
وبروين حبيب على ما في قصائدها الجميلة من أنواع التفجر الهادئ منها وغير الهادئ لم تخترع "البارود" فقد عرف قبلها لكنها من الذين صنعوا مزيجهم الخاص ليحمل تجاربهم الخاصة بإيحاء وتأثير في النفس كما يتصرف الفنان التشكيلي بالألوان الموجودة المألوفة ويأتي منها بصيغة تلائمه.
والشاعرة مولودة في المنامة حيث تلقت تعليمها الثانوي والجامعي وأكملت دراستها الجامعية في القاهرة حيث نالت الماجستير والدكتوراه. مارست التعليم ودخلت مجال الإعلام التلفزيوني في البحرين ثم انتقلت الى قناة دبي الفضائية معدة ومقدمة لبرامج ثقافية.
مجموعتها الشعرية الأخيرة هذه صدرت في نحو 100 صفحة متوسطة القطع عن (الكوكب) وهي فرع من دار (رياض الريس للكتب والنشر.)
قصائدها التي بلغ عددها 31 قصيدة متفاوتة الطول وردت تحت عناوين رئيسية ستة هي "شمس أيامي" و"ابتسامتي في التلفزيون" و"في ذكرى المطر" و"أربع بورتريهات للسيدة الصغيرة في مرايا الليل والنهار" و"الصدفة" و"في جوار المرأة."
في قصائد بروين سمات أبرزها الصورة المؤثرة والموسيقى التي تراوح بين هدوء وشيء من الارتفاع دون صخب وهناك فيض عاطفي دافئ لا يترك كلامها فيجعله اقرب إلى دفق مشاعر ويبعد التقريرية عنه.
شعر بروين حبيب في تنقله بين وزن وأخر وقافية وأخرى وصولا إلى الشعر الطليق الذي فيه إيقاعات دون قواف وبين هذا كله ونهج قصيدة النثر في القصيدة الواحدة أحيانا بل غالبا يذكرنا ببعض أنواع الموسيقى الحديثة في التنقل أحيانا بين أجواء مختلفة وعدم التزام جو واحد.
ويبدو أن هذا الأمر ليس من قبيل الصدفة أو عدم إدراك الشاعرة تجاوزها حدودا معينة خاصة في مسائل الوزن ودخولها عبر أخرى بل لعله قرار واع وخيار اتخذته لتجعل من كل ذلك خطوطا تميز قصيدتها.
انه كما يظهر قرار واع ينتج عن ضيق بروتينية مملة وعن خيار لنوع من الكتابة الشعرية التي تقوم على هذا المزج كما نشهد عند عدد من الشعراء في هذه الأيام وحتى ما قبلها.
فلنقرأ معها "الغريبة" قصيدتها الأولى في المجموعة تقول "اترك مرفقي (اتركني) أمر إلى فؤادي ..وحدي هنا في شمس أيامي (وفي ظل البنفسج) ضوع أمسية قديمة.
فلنقرأ معها "الغريبة" قصيدتها الأولى في المجموعة تقول "اترك مرفقي (اتركني) أمر إلى فؤادي ..وحدي هنا في شمس أيامي (وفي ظل البنفسج) ضوع أمسية قديمة.
"لا وجه لي لا اسم (لا وطنا يلم تراب أغنيتي )اتركني هنا في غربتي الأولى (وفي شمس كلامي) لي من شذا اللغة الغريبة (عندما يهوي المساء) على فؤادي (ياء بكت راء) وواو أورقت ياء على الألواح والشمس خمرة فكرة في كأس نون."
في قصيدة "العاشقة" نموذج لتلك الموسيقى المتحولة من إيقاع إلى أخر وفي ما يبدو أحيانا اقرب إلى ما قد يوصف بأنه شيء من "الخلل" الموسيقى الخفيف الذي يضيع في أجواء القصيدة وصورها وموسيقاها العامة.
في قصيدة "العاشقة" نموذج لتلك الموسيقى المتحولة من إيقاع إلى أخر وفي ما يبدو أحيانا اقرب إلى ما قد يوصف بأنه شيء من "الخلل" الموسيقى الخفيف الذي يضيع في أجواء القصيدة وصورها وموسيقاها العامة.
وعندما يصبح كذلك فالأرجح ألا يعود يعتبر مأخذا وان يتحول إلى أسلوب. وقد يكون "في ذلك قولان" كما درجت العادة على القول.
"قلت عند اللقاء (يدك الصغيرة) تلك (أغنيتي ..)ولما صدحت أمنيتي في البهو (رحت تفسر الكلمات ) بالكلمات (صرت الغريبة تحت أنظار) وصرت الصمت (مرتعدا) يا من يكلمني واسمع صوته في خافقي ..أي هوى هذا الذي يملاني خوفا ويجعلني حزينة.
"ليتني كنت مساء ليس الا ينظر العشاق عن بعد يمرون ويفرح بالغياب (رجع أصوات وهمسا خافتا في غرفة )اي حزن ذاك (في أمس ) غريبا (مثل ايامي )ويشبه شرفة في الذاكرة."
قصيدة "أنا الاقحوانة" نموذج خالص من نوع قصيدة النثر حافل بأسى شاحب ووحدة وعزلة كبكاء مكتوم ..وبصور ذات غرابة جميلة موحية.
قصيدة "أنا الاقحوانة" نموذج خالص من نوع قصيدة النثر حافل بأسى شاحب ووحدة وعزلة كبكاء مكتوم ..وبصور ذات غرابة جميلة موحية.
تقول "ذهب الرجال الى ظلالهم (وتركت في حيرتي )أنا الوردة العابقة بفكرة الحب (نضرة وذابلة ومصوحة الألوان )أمر بنافذتي موصدة ويمر بي النهار غريبا."في "على البحر مرة أخرى" التقاط حزين لصور ماضية ولزمن وأمال تشكل استعادتها في الذاكرة ما يشبه الغصات.
طريقة نقل هذا الجو كله بدت اقرب الى لوحة تصور طبيعة ساكنة بل شبه ميتة على رغم الكلام عن الحركة.
تقول بروين حبيب "يتيمة ألهو هناك (الشاطئ صامت كشريط قديم ) وصورتي الطفلة تهب بفستانها الملون (صورت لما كنت ..) زهرة حمراء في رمل اسود."
تقول بروين حبيب "يتيمة ألهو هناك (الشاطئ صامت كشريط قديم ) وصورتي الطفلة تهب بفستانها الملون (صورت لما كنت ..) زهرة حمراء في رمل اسود."
«دانتيلا» بروين حبــيب.. إبداع متمرّد على «الكادر»
«دانتيلا» بروين حبــيب.. إبداع متمرّد على «الكادر» إذا كانت قصائد الشاعرة والإعلامية الدكتورة بروين حبيب في ديوانها الأخير «أعطيت المرآة ظهري» تشرع نوافذ يطل منها القارئ على عوالمها، فإن كتابها النثري، الجديد أيضا، «دانتيلا» يطوف بالمتلقي في دروب حياتها، إذ تأخذه المبدعة لتريه تفاصيل من سيرة طفلة بحرينية عشقت الكلمات قبل أن تعيها، وصبية وجدت على المسرح خشبة تحرر وخلاص، وجامعية بحثت عن تحقق خاص، وأنثى «أعطت للمرآة ظهرها»، واستبدلت بتوأم الروح «نجمة صديقة». ذلك وغيره هو قليل من بوح بروين، في كتابها المغزول بهموم ومشاعر متباينة، حب وخوف ونجاحات وخيبات، وحنين، ودانتيلا ناعمة في مواجهة خشونة صحراء الواقع (عنوان الكتاب كاملا: دانتيلا.. أقل من الصحراء). وأخيرا غربة ضاغطة بقوة على وجدان بروين، وتحضر حتى في إهداء الكتاب، ويفاجئ القارئ بتكرار اللفظة، واستحضار مرارتها في غالبية الصفحات، بحيث لا ينافسها سوى مفردات الحب والتمرد والتحرر، تلك التي تحفظ للروح توازنها، وتنشئ تصالحا خاصا بين المبدعة وذاتها، لاسيما حين تستدعي بروين طيف زليخة (الأم)، أو تحاور الطفلةٍ «منامتها»، عندها ترف الكلمات وتصفو اللغة، وتطمئن شعرية الكائن المغترب القلق، ويستحيل نثر النصوص إلى قصائد من الحنين. تقول الكاتبة في نصها زليخة «دمعك مائي الأول عيدك صباح الصلوات.. كلك في روحي.. سيدة المزارات والأسرار.. ترتيلة النهارات الخضراء.. ضوء الأسفار لوجهك الذي يدخل النذور.. خذيني، إلى حفيف أقمطتي البيضاء، أيتها الجمرة الفارسية.. امنحي أحلامي قصائدها.. غيومها الممتلئة بالجنون.. أشعلي الأماني والطقوس السخية.. إلى المنامة التي تقيم بك.. عندما تفتحين صدرك مبتسمة في الحلم.. عصية في خالص الغفوة».. وكثيرا ما تمارس الكاتبة لعبة الهروب إلى هاتين المحطتين، سواء في نصوصها أو في قصائد عدة. وعلى الرغم من ابتسامة بروين التي تملأ الشاشة، وتميز طلتها على قناة دبي الفضائية في برنامجها الحواري «نلتقي مع بروين »، إلا أن قارئ إبداعها قد لا يجد ظلا واضحا لتلك البشاشة، حيث تلون مفردات الحزن الشفيف معظم نتاجها، خصوصا في «دانتيلا»، وكذا بعض قصائد «أعطيت المرآة ظهري»، إذ تتمرد الشاعرة المبدعة على الإعلامية، وتنطلق متحررة ومتمردة على أسر الكادر، والصندوق السحري. تقول بروين في أحد نصوص «دانتيلا .. »، بعد أن مهدت مسرح الحدث، «المخرج: 3ـ2ـ1 في عده التنازلي.. وأنا في الكادر.. الكادر نفسه الذي وضعت فيه نفسي منذ عشرين عاما، وكانت متعتي بالإطار نافذة على فضاءات مفتوحة حد الاختناق... مثبتة هكذا سعيدة بما أعتقد أنه الأبهج.. وكالعادة، تأخذ الكاميرا ابتسامتي الفوتوغرافية لا شكل قلبي.. ضجيج العدسة لا بريق عينين.. الضوء المخادع والمرقط في مرآة تنزلق إلى أثير الشهرة التي تأخذني بعيدا عن الفراغ الذي يتكوم خارجا، آخذا معه صفاء حريته و..و..و..». وهكذا ترسم الكاتبة مشهدا آخر، مفتوحا على مدى القلب، لا على عدسة الوجه، مطلا على المشاعر الحقيقية القابعة في الروح، وليس على الابتسامات المعلبة، والجاهزة للرسم في أي وقت على الهواء. وتخيرت بروين حبيب لكتابها الأخير شكلا فنيا مغايرا، يتأبى على التصنيف الواضح كلون أدبي محدد الضفاف، إذ تتنوع نصوص «دانتيلا» الثلاثة والأربعون ما بين السرديات ذات القالب القصصي والسيرة والمقالات الذاتية التي تمرح بين فضاءات الروح واليوميات، إضافة إلى يوميات وأدب الرحلات ورؤى نقدية خفيفة وشهادات عن شخصيات قابلتها الشاعرة. وبذلك، تمنح بروين قلمها قالبا حرا، في نمط قد يتمايز عن أشكال أعمالها الأخرى (مجموعتان شعريتان، ودراستان أكاديميتان). اللافت هو تماس بروين مع نصوصها أولا، حيث تقيم تناصا بين مقاطع دانتيلا وقصائدها. وفي أحيان أخرى، تستدعي استشهادات لآخرين، غالبا ما يكونون قريبين إلى روحها، ممن التقتهم محاورة، أو حتى عاشت مع إبداعاتهم، حيث تبرز الشخصيات النسوية، وتفرد لهن الكاتبة نصوصا كاملة، علاوة على حضورهن المكثف في الاستدعاءات. ومع الاعتراف بوجود مسافة «إبداعية» وأساليب فنية تفصل ما بين نصوص «دانتيلا» ومجموعة «أعطيت المرآة ظهري» الشعرية، إلا أنه توجد بينهما قواسم مشتركة، لاسيما في تداخل بعض المضامين وغلبة البوح الذاتي على كلا العملين، فبداية من عنوان الديوان الدال على خصوصية صاحبته بأكثر من ضمير، ثم عناوين القصائد التي تبرز فيها «شمس أيامي، أنا الأقحوانة، صورتي الباكية، بورتريه لي، حكايتي..»، وغيرها من النصوص المشتغلة بهمّ مبدعتها الخاص، والراسمة لملامح قريبة من ذات صاحبتها، كما في قصيدة «ابتسامتي في التلفزيون»، أو حتى المكونة لحروف الاسم بصور يتجلى فيها قبس من الحس الصوفي وإشارات المريدين، كما في قصيدة «الغريبة» التي تقول فيها الشاعرة «اترك مرفقي، اتركني، أمر إلى فؤادي.. وحدي هنا، في شمس أيامي، وفي ظل البنفسج، ضوع أمسية قديمة. لا وجه لي، لا اسم، لا وطنا يلم تراب أغنيتي.. اتركني، هنا، في غربتي الأولى، وفي شمس كلامي.. لي من شذا اللغة الغريبة عندما يهوى المساء على فؤادي باء بكت راء.. وواو أورقت ياء على الألواح، والشمس خمرة فكرة في كأس نون». ولدت بروين حبيب في المنامة، وحصلت على بكالوريس في الأدب العربي من جامعة البحرين، و على شهادة الماجستير من جامعة عين شمس في مصر في ،1997 ونالت درجة الدكتوراه في الأدب من الجامعة نفسها في .2004 عملت في الإذاعة البحرينية، وقدمت أكثر من 22 برنامجا، وعملت في التلفزيون البحريني مذيعة رئيسة من 1988 إلى ،1999 ثم انتقلت إلى قناة دبي الفضائية معدة ومقدمة لبرامج ثقافية، من أشهرها «نلتقي مع بروين حبيب». وصدر لبروين كتاب «تقنيات التعبير في شعر نزار قباني.. دراسة أسلوبية جمالية»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،1999 وديوان «رجولتك الخائفة طفولتي الورقية»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،2001 وديوان «أعطيت المرآة ظهري»، دار الكوكب ـ رياض الريس للكتب والنشر، وكتابها الأخير «دانتيلا.. أقل من صحراء»، دار كنعان للدراسات والنشر. |
بروين حبيب هذي الشاعرة
بقلم:حسين بن حمزة
يكاد لا يعلق في بالنا شيء ونحن نقرأ مجموعة «أعطيتُ المرآة ظهري» (دار الريس) للشاعرة والإعلامية البحرينية بروين حبيب. ما نجده هنا هو كتابة شعرية صارت خلفنا منذ زمن. كتابة وجدانية وبوحية ذات بنية بسيطة ومكشوفة. كأن الشاعرة تُدير ظهرها... ليس للمرآة، بحسب عنوان المجموعة، بل لكل حساسيات وتقنيات ومجازفات وألاعيب الشعر الراهن، مكتفية بالدوران اللغوي المباشر والحميم حول الذات ومشاغلها الأكثر عمومية. الذات منبع خصب وأبدي للشعر، لكنها هنا مجرد مرادف بديهي للحب والشوق والخواطر: «مطر، مطر/ أريد أن أرى وجهكَ في المطر/ وجهك وزجاج المقهى/ ونافذة القطار/ نديّة/ والمطر صامتاً يبلل شعري/ أسير قريباً، وأغيّر اسمي/ أصطفي من ضباب غيابك/ قصيدةً راقصة/ أترك الشتاء في عهدة الصيف/ وقلبي في الخطر/ في روح النار/ جائشةً/ مطر مطر/ أمشي، بلا وجهٍ، وأراك، غريباً في المطر».
الرومانسية المفرطة السارية في سطور المقطع السابق ستحضر مفرداتها وصورها وتراكيبها في قصائد أخرى، فنقرأ «حبكَ حبرُ الوجود» و«أشربُ نخب حماقات القلب» و«القلب ذاكرة ذابلة» و«في البدء كان القلب» و«أيها الشتاء القاسي/ كيف ملأت جراري بالصقيع»... إنه نوع من الإسراف العاطفي والتحلية اللغوية يصلح أن يُوضع في باب المطارحات الرومانسية.
الرومانسية المفرطة السارية في سطور المقطع السابق ستحضر مفرداتها وصورها وتراكيبها في قصائد أخرى، فنقرأ «حبكَ حبرُ الوجود» و«أشربُ نخب حماقات القلب» و«القلب ذاكرة ذابلة» و«في البدء كان القلب» و«أيها الشتاء القاسي/ كيف ملأت جراري بالصقيع»... إنه نوع من الإسراف العاطفي والتحلية اللغوية يصلح أن يُوضع في باب المطارحات الرومانسية.
كتابة وجدانيّة وبوحيّة ذات بنية بسيطة ومكشوفة ومعجم واحد تنهل منه الشاعرة
المشكلة أن البعض، وخصوصاً الشاعرات، لا يزال يُقبل على هذا النوع ظانّين أنهم يكتبون شعراً حديثاً، فيما الشعر ممارسة أكثر تعقيداً وتشعباً وخطورة من «الشاعرية» الجاهزة التي تنضح بها نصوص هؤلاء. معظم ما تكتبه صاحبة «رجولتك الخائفة طفولتي الورقية» يقع في الشاعرية، لا في الشعر. فجأة، نعثر على جملة أو سطر مشغول بطريقة مختلفة، كما هي الحال في صورة كهذه: «في الغابةِ باكراً/ أريد أن أكون انتباهةَ الغصن» أو في قصيدة قصيرة: «يتيمةً ألهو هناك/ الشاطئ صامتٌ كشريط قديم/ وصورتي الطفلة تهبُّ بفستانها الملون/ صورتي لمّا كنتُ/ زهرة حمراء في رملٍ أسود». ولكن هذه المحاولات النادرة تبدو مثل رميةٍ من دون رامٍ، إذْ إن المعجم الذي تغرف منه الشاعرة لا يتغير كثيراً، لذلك سرعان ما تضيع مثل هذه الصور في لجّة السطور العادية، ونعود لنقرأ بوحاً مكروراً ومستعملاً بكثرة: «في ملكوت الشوق/ أدركتُ/ أخيراً/ أن جسداً واحداً لا يسعُ الأرض كلها».
الحياة/عدد السبت ٢٩ آب ٢٠٠٩
بروين حبيب تتأمل الكون والكائنات والمتناقضات في «دانتيلا أقل من الصحراء"
الإتحاد /تاريخ النشر: الأحد 03 يناير 2010
عمر شبانة
في كتاب جديد للشاعرة بروين حبيب يحمل عنوان “دانتيلا أقل من الصحراء صدر مؤخرا عن دار كنعان للدراسات والنشر في دمشق (إصدار 2010)، تخوض الشاعرة، عبر مقالات قصيرة، في شؤون الذات بأبعادها المختلفة، لتنقل تجربتها في الحياة والثقافة والعلاقات الإنسانية بصورة عامة.
فتحت عنوان “ذاتيات” حينا، و”شخصيات” حينا آخر، تكتب بقدر من التأمل والبوح عن الذات الإنسانية والذات الأنثوية والذات الشاعرة المبدعة، وتفتح باب النثر على باب الشعر، وتنتقل إلى ما تسميه باب النقد الذي لا يخرج كثيرا عن تصوراتها ورؤاها بوصفها شاعرة أولا وأخيرا، حتى لو دخلت باب التنظير للشعر وللقصيدة.
في تأملاتها وبوحها تأخذنا بروين حبيب إلى عوالمها الخاصة رغم أنها عوالم الكثير من الشاعرات والمبدعات العربيات، سواء لجهة علاقتها بذاتها وكينونتها وصيرورتها ككائن وكأنثى وكشاعرة، أو لجهة العلاقة بينها وبين العالم، أو لعلاقتها بالشعر والأدب عموما، أو لما تثمر عنه هذه العلاقات من ثمار تتنوع طعما ولونا ورائحة، ما يلون الحياة بألوان هذه الثمار.
في 36 مقطوعة لا تزيد أي منها عن صفحة ونصف من القطع الصغيرة، تسترجع بروين الكثير من المواقف والمحطات في حياتها، فتسلط أضواء ساطعة من لغتها وتأملاتها في حقول هذه الحياة، وبدءا من عنوانها “هذا اليوم لا يشبهني” يبدأ الحوار المتشعب، حوار مع الذات، وحوار مع الآخر، “كم مرة أنثر ملامحي في المرآة، وأسرّح نظراتي قبل شعري.. أتأمل رحلة حضورك في غياب المكان. أقلِّب ملاءتي الحمراء كمعصية، كوردة، ورق، ورقتي البيضاء النائمة على غيمة الرجاء، أو على صدر فكرة.. أرجع للمرآة..”.
ومنذ النص الأول هذا أيضا تفاجئنا لغة الموت وحضوره الفلسفي، الموت في مقابل الحياة، والعكس، فما الخوف من الموت؟ إنها تستعير صوت الفيلسوف “أوشو” الذي يقرر “نحن نخاف من الموت لأننا نخاف من الحياة”، لكنها ترد بحكمتها هي “نحن نخاف من الموت لأننا نخاف الغياب.. نخاف العدم حيث لا نكون.. كأن لا كائنات في العالم بعدنا تقبض على اخضرار الروح..”.
ويتداخل في بعض النصوص شيء من الواقع مع ملامح من الأسطورة، لتتشكل لدينا صورة امرأة تنظر إلى الكون من زواياه كلها، حتى وهي جالسة تتناول وجبة يابانية، فيظهر الرجل في صورة رجل “واقعي بمخيلة سلفادور دالي”، كما تحضر في المشهد نفسه “الدم والنار.. إله الحرب (مارس) عند الإغريق. كما يتداخل الروحاني بالجسدي، فتتشكل نصوص يصعب تلخيص فكرتها، لأنها تريد التقاط جوهر ما بعيد وغامض في غالبية الأحيان.
أخيرا، ولعدم إمكانية التوسع، نقف مع الشاعرة في واحد من نصوصها الأشد قسوة، هو “الأشد حدادا”، ونقف فيه تحديدا على عودة الشاعرة إلى طفولتها في المنامة حيث بدايات تكوين شخصيتها، تقول “تعلمت، أول ما تعلمت، كيف أصغي إلى اختلافي، وكيف أنفث رائحة التمرد خلف الرتاجات الصدئة المغلقة، وكنت أمتد على نحو لا يشبههم، أردد: صوتك هو السهم الطائر الذي يضرم العاصفة ويحرسك”.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)