في مجموعة بروين حبيب (أعطيت المرآة ظهري) نماذج تثبت مرة أخرى انه حيث يكون هناك شعر فلا أهمية فعلا للنمط الذي يأتي فيه فحيث يكون الشعر يمكن أن يطل بأنماط مختلفة متعددة.
قصائد مجموعة بروين حبيب هذه لا تقتصر على تعدد في طريقة الأداء في القصيدة الواحدة بما قد يختلف أحيانا عن طريقة الأداء في قصيدة أخرى بل تتعدد أنماط التعبير حتى في القصيدة الواحدة وبشكل لا ينتقص من جمالية القصيدة بل قد يضيف أحيانا سببا إلى أسباب تأثيرها في النفس.
وشرط هذا التأثير هو الانفتاح الفكري على "المختلف" والخارج عن المألوف وتقبل الفني الجميل بأي من أشكاله. يعني هذا أن القارئ الذي لا يقبل من الشعر إلا التقليدي منه رافضا التصرف وفقا للحاجة الفنية بما جمعه الخليل بن احمد والذي لم تألف أذنه سوى أنماط محددة من الإيقاع والقافية قد لا يعجبه هذا النمط.
وقد يكون الأمر مماثلا بالنسبة إلى "غلاة" المتحمسين لقصيدة التفعيلة بتعدد أوزانها وقوافيها وحتى بعض المتحمسين لقصيدة النثر نفسها. ترى هل ننسى انه حتى في الحركات التحررية فنية وغير فنية التي عرفت عبر التاريخ كان دائما هناك محافظون منفتحون.
وبروين حبيب على ما في قصائدها الجميلة من أنواع التفجر الهادئ منها وغير الهادئ لم تخترع "البارود" فقد عرف قبلها لكنها من الذين صنعوا مزيجهم الخاص ليحمل تجاربهم الخاصة بإيحاء وتأثير في النفس كما يتصرف الفنان التشكيلي بالألوان الموجودة المألوفة ويأتي منها بصيغة تلائمه.
والشاعرة مولودة في المنامة حيث تلقت تعليمها الثانوي والجامعي وأكملت دراستها الجامعية في القاهرة حيث نالت الماجستير والدكتوراه. مارست التعليم ودخلت مجال الإعلام التلفزيوني في البحرين ثم انتقلت الى قناة دبي الفضائية معدة ومقدمة لبرامج ثقافية.
مجموعتها الشعرية الأخيرة هذه صدرت في نحو 100 صفحة متوسطة القطع عن (الكوكب) وهي فرع من دار (رياض الريس للكتب والنشر.)
قصائدها التي بلغ عددها 31 قصيدة متفاوتة الطول وردت تحت عناوين رئيسية ستة هي "شمس أيامي" و"ابتسامتي في التلفزيون" و"في ذكرى المطر" و"أربع بورتريهات للسيدة الصغيرة في مرايا الليل والنهار" و"الصدفة" و"في جوار المرأة."
في قصائد بروين سمات أبرزها الصورة المؤثرة والموسيقى التي تراوح بين هدوء وشيء من الارتفاع دون صخب وهناك فيض عاطفي دافئ لا يترك كلامها فيجعله اقرب إلى دفق مشاعر ويبعد التقريرية عنه.
شعر بروين حبيب في تنقله بين وزن وأخر وقافية وأخرى وصولا إلى الشعر الطليق الذي فيه إيقاعات دون قواف وبين هذا كله ونهج قصيدة النثر في القصيدة الواحدة أحيانا بل غالبا يذكرنا ببعض أنواع الموسيقى الحديثة في التنقل أحيانا بين أجواء مختلفة وعدم التزام جو واحد.
ويبدو أن هذا الأمر ليس من قبيل الصدفة أو عدم إدراك الشاعرة تجاوزها حدودا معينة خاصة في مسائل الوزن ودخولها عبر أخرى بل لعله قرار واع وخيار اتخذته لتجعل من كل ذلك خطوطا تميز قصيدتها.
انه كما يظهر قرار واع ينتج عن ضيق بروتينية مملة وعن خيار لنوع من الكتابة الشعرية التي تقوم على هذا المزج كما نشهد عند عدد من الشعراء في هذه الأيام وحتى ما قبلها.
فلنقرأ معها "الغريبة" قصيدتها الأولى في المجموعة تقول "اترك مرفقي (اتركني) أمر إلى فؤادي ..وحدي هنا في شمس أيامي (وفي ظل البنفسج) ضوع أمسية قديمة.
فلنقرأ معها "الغريبة" قصيدتها الأولى في المجموعة تقول "اترك مرفقي (اتركني) أمر إلى فؤادي ..وحدي هنا في شمس أيامي (وفي ظل البنفسج) ضوع أمسية قديمة.
"لا وجه لي لا اسم (لا وطنا يلم تراب أغنيتي )اتركني هنا في غربتي الأولى (وفي شمس كلامي) لي من شذا اللغة الغريبة (عندما يهوي المساء) على فؤادي (ياء بكت راء) وواو أورقت ياء على الألواح والشمس خمرة فكرة في كأس نون."
في قصيدة "العاشقة" نموذج لتلك الموسيقى المتحولة من إيقاع إلى أخر وفي ما يبدو أحيانا اقرب إلى ما قد يوصف بأنه شيء من "الخلل" الموسيقى الخفيف الذي يضيع في أجواء القصيدة وصورها وموسيقاها العامة.
في قصيدة "العاشقة" نموذج لتلك الموسيقى المتحولة من إيقاع إلى أخر وفي ما يبدو أحيانا اقرب إلى ما قد يوصف بأنه شيء من "الخلل" الموسيقى الخفيف الذي يضيع في أجواء القصيدة وصورها وموسيقاها العامة.
وعندما يصبح كذلك فالأرجح ألا يعود يعتبر مأخذا وان يتحول إلى أسلوب. وقد يكون "في ذلك قولان" كما درجت العادة على القول.
"قلت عند اللقاء (يدك الصغيرة) تلك (أغنيتي ..)ولما صدحت أمنيتي في البهو (رحت تفسر الكلمات ) بالكلمات (صرت الغريبة تحت أنظار) وصرت الصمت (مرتعدا) يا من يكلمني واسمع صوته في خافقي ..أي هوى هذا الذي يملاني خوفا ويجعلني حزينة.
"ليتني كنت مساء ليس الا ينظر العشاق عن بعد يمرون ويفرح بالغياب (رجع أصوات وهمسا خافتا في غرفة )اي حزن ذاك (في أمس ) غريبا (مثل ايامي )ويشبه شرفة في الذاكرة."
قصيدة "أنا الاقحوانة" نموذج خالص من نوع قصيدة النثر حافل بأسى شاحب ووحدة وعزلة كبكاء مكتوم ..وبصور ذات غرابة جميلة موحية.
قصيدة "أنا الاقحوانة" نموذج خالص من نوع قصيدة النثر حافل بأسى شاحب ووحدة وعزلة كبكاء مكتوم ..وبصور ذات غرابة جميلة موحية.
تقول "ذهب الرجال الى ظلالهم (وتركت في حيرتي )أنا الوردة العابقة بفكرة الحب (نضرة وذابلة ومصوحة الألوان )أمر بنافذتي موصدة ويمر بي النهار غريبا."في "على البحر مرة أخرى" التقاط حزين لصور ماضية ولزمن وأمال تشكل استعادتها في الذاكرة ما يشبه الغصات.
طريقة نقل هذا الجو كله بدت اقرب الى لوحة تصور طبيعة ساكنة بل شبه ميتة على رغم الكلام عن الحركة.
تقول بروين حبيب "يتيمة ألهو هناك (الشاطئ صامت كشريط قديم ) وصورتي الطفلة تهب بفستانها الملون (صورت لما كنت ..) زهرة حمراء في رمل اسود."
تقول بروين حبيب "يتيمة ألهو هناك (الشاطئ صامت كشريط قديم ) وصورتي الطفلة تهب بفستانها الملون (صورت لما كنت ..) زهرة حمراء في رمل اسود."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق