سيرة

شاعرة وباحثة أكاديمية وعلمية في الحقلين الثقافي والأدبي / خبيرة إعلامية للعديد من الدورات التدريبية المتخصصة في مؤسسة دبي للإعلام،ومساهمة في تميز المؤسسة عبر إطلاق أوائل البرامج الثقافية الحوارية على مستوى الخليج العربي / حائزة على جائزة المرأة الديناميكية للعام 2011 على مستوى القارات من جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية، لتنال بذلك أول جائزة عالمية تمنح لقصص نجاح نساء حول العالم قدمن تجارب مضيئة، ولتدرس قصتها لطلبة الجامعة ضمن أكبر شبكة عالمية (أون لاين) / ترجمت قصائدها إلى سبع لغات / حاصلة على دكتوراه في النقد الأدبي - تقدير امتياز عام 2004م

الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

ما هي العلاقة بين نص الرجولة الخائفة وسياق طفولة الشاعرة بروين حبيب الورقية!؟



بقلم:د.مكي محمد سرحان 
(الأيام / العدد 4707 / 22 يناير 202م)


قصائد ديوان "رجولتك الخائفة طفولتي الورقية" تضعنا مباشرة أمام العلاقة بين النص والسياق، بل تضعنا الشاعرة بروين حبيب أمام عمل مخيلتها الخصبة في مواجهة الفن الأصعب، عالجت أبيات قصائدها ظاهرة تدفق الصور والمشاعر والأفكار والرغبات لجيل الشباب، في قوام فني فاتن، ترمي إلى بناء شعري ينهض على صور وتراكيب مبتكرة ويشف عن خبرة وتجربة لافتة بضراوة الوجد الذي يتوطن قيعان الروح العميقة ذات الغابة الخضراء، فيتحاور اللطف والوحش في نفسها.
ينشط هذا الحب من حين إلى آخر، فيقرع بحدة جدران الجسد الداخلية، يصفق بجناحين كطير حبيس في قفص يجاهد الواقع ويأتي واد سيلا عرمرما، هادما كل السدود التي تحتبس القلق، ويبعث حمى واشتياقات ورؤى في تخوم القلي العاشق..فتعبر التمائم بماد طراوة الطمأنينة، غير جامحة كخيول البراي، لكنها حارقة كالنار..ألحانها تقول"في بهجة اتوسدك":
النص الغائب، معك
أذهب في غفلة، وفي بهجة العراء
روحي تزور أسماءك.
أسمائي؛ ما تبقّى من امرأة في خاتمة.
لست سليل البهاء حتى تهبط وراء الضجيج
تعبر التمائم، وتترك القلب في دم اللذة.
يرى في هذه المناحة الشعرية للشاعرة بروين حبيب، الأرضية الصحيحة، أما سببها فهو زئبق الواقع الثقيل على العاشقين بحكم مرارة الحرمان بمفهومه الطقوسي المعتاد، وسببها أيضا، إرادة ما ليس لنا عليها قدرة في الوقت ضدها، ولن تكون لنا إرادة على تفادينا، وهنا يبدأ بتخير الواقع على غلبان مرجل ألسنة لهب الاشتياق وصهارات النفس، وبدء التصعيد ومناوشات "قديم الرغبة" بما فيها من سراب، في حمى مركونة تلهث سعارها للقبض على واقع قراري لاختطاف البحر من لغته:
كان وجهي في المرآة ماء التّباهي،
قديم الرغبة،
كنت أختطف البحر من لغته
وأعود بالشهقة.
الشعر هو الطفولة، والطفولة لعب، وأصعب أمر على الشاعرة بروين حبيب أن تقول الشعر، بالشعر، عن الشعر، أصعب عليها ألا تصارح أحدا بشيء عن ألم الحب، والشعر هو الحب، والحب ألم مكنون أحس وكأن بروين تخاطبني قائلة: أنا أنطفئ حتى الخواء عندما أكتب أبيات العشق، فكيف سيكون أمري عندما أقرؤه كتابة..أشعر بأني أنكفى إلى الداخل حين أمنح الحبيب رأفتي كصهوة فجر، مستغيثة بسراب الأيام الخوالي، على أن استقبل من ذكراها ذلك الذي يأتي ولا يأتي..وعلني أشكو سوء طالعي من لحظة كنت أشاهدها، وأصبحت شهدها وشهيدتها ولمن أشكو وأنا التي استنشق عطر الحبيب الباهت ليلنا سؤال:أوفيك الخصام وأنت الخصم والحكم؟!
أمنحك رأفتي؛ صهوة الفجر
ها هناك أتوسّد سمرتك
وأذهب في عطرك الباهت.
ليلنا سؤال مصقول.
أعمر آخر ينتهي، أم هي الأسماء تنأى؟
يبادهها الشعر الذكرى، تفر إلى غيره لكنها سرعان ما تقع فيه، وينبثق أمام يقظتها  الحبيب فتردد قصائد التأبين قائلة: أروح مختالة إلى معابد العشق والجمال، ,أرى الحفاة يستلقون على الطرقات، أتصيد النعاس ورذاذ الهوى، كي أتكيف مع خفق الحرمان إلى حد ما، أو استنجد بالعقل الباطني ذلك الكفيف بأن لا يزداد عمى، لكي انعم بخدر متكئ على نعمة إلهية..ولكن الحب هنا تبادلت فيه الأدوار مع تجربة الشاعرة بروين، على هيئة التقمص والحلول والتناسخ، فكان الفيض حين تقول:
الحفاة يستلقون على طرقات،
والتأبين يسطع في خفق سهوك،
الخرافة تراق..
خدر متكئ
أفتح معه ما تبقّى من أنفاس تؤوب..
مع بروين حبيب، كما مع فاطمة التيتون وفتحية عجلان وفوزية السندي، وكما مع قيس وجميل وكثيرة عزة، كما مع اراغون وركا وايلويا ونيرودا نتلظى بأبيات قصائدهم فيبعثرنا بنفحات من جمهرة الحشد والندم والحسرات واعتناق الروح ومنتهى الميلاد، وتراتيل قدسية في أغان موسيقية تهب مواراة الفراغ، تتجمع على الكلام في أمل العودة.. فها هي ذا بروين حبيب تقول في قصيدة " معطف العشب":
عدْ إلى فاتحة الروح؛ منتهى الميلاد،
إلى التي منحتك سارية الضوء وزند البحر.
حين تعتريني ساعة النزف أغتسل بمياه قصيدتك
أدفعك في الحلم
واراك
مطرا ونخيلا،
فجرا من لهب تحت سديم الحب.
كلما مس الشاعرة مس الحب – ان جاز لي التعبير- أو طاف بها طائف يختطف النفس الموحشة إلى ندائه الخفي وغبطاته الغريبة، أو كلما أصيبت بضربته  نصاب بضربة شمس، راحت تتهاوى مع خيالاتها وظلالها فتفضح بالشعر الرومانسي، وتنشطر قريحتها وتتوالد لهفا وحنينا..أو تشتبك مع انفتاح الحواس على ضوء العالم الكاسر الجارح، ويفاجئها طلق الأصوات البذئي، فتئن وتتلوى، وتحتمل العناء كأكثر من شابة شاعرة، جاءت من سماء وشمس وقمر وكواكب ونجوم..قصائدها أكثر من بحر وأرض وهواء، وأكثر من شجر يتحرك ولا يطير من مكانه، وأكثر من معنى ربما يمكن لنا ألا نستطيع احتمال تصوير المرئي والمجهول لمكامن الحب فيه.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق