المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ..
مهرجان القرين الثقافي
الرابع عشر
2006
" الثقافة والتنمية "
التنمية وثقافة البرامج التلفزيونية
إعداد : د. بروين حبيب
(الأدب برجوازي والصورة ديموقراطية)([1])
(الفضائيات – سباق الفضائح . . ([2])
بورصة النجوم – ببغائية النقل – إثارة مشبوهة ؟ !) . .
(مقدمة)
"أميرة منزوعة التاج" ..! هكذا يرى أحد النقاد المختصين حال الثقافة العربية منذ عقد من الزمن على الأقل.. وقد ضاعت ملامحها بين من سيسها، وأدلجها، وفلسفها، وأغلق عليها أبواب السجون.
وثمة من يرى من المثقفين العرب أن حالة التراجع التي تشهدها العملية الثقافية والمعرفية العربية، تفاقمت بسبب ما يسمى تنامي ثقافة الاستهلاك، وتراجع مستويات القراءة والكتابة، وكثرة المتسلقين من أنصاف الموهوبين.
ولكن ثمة آخرين يجزمون بأن تأخر الثقافة العربية سببه الأساسي دخول العرب الإعلام الفضائي، وتراجع دور البرامج الثقافية في ذلك الفضاء الواسع الضيق في آن معا، وها نحن نقف عاجزين أمام رصد أهم البرامج الثقافية العربية عبر مئتين وخمسين فضائية عربية، وغيرها الكثير من المحطات الأرضية وهي تخصص أقل من نصف بالمئة من براجمها للثقافة، فهل اتهام المثقفين للتلفزيون، لمكتبة الأسرة العربية الحديثة، بالتقصير والتجاهل قائم أم لا ...؟ كل هذا تزامن مصادفة، إذا افترضنا حسن النية، بتراجع آخر لدور الإعلام المكتوب في رصد حركة الثقافة التي تعاني هي الأخرى من شح في عدد الكتاب والمتلقين ...! وقد أدهشني تعليق لرئيس تحرير مطبوعة عربية أن المحرر الفشل في باقي أقسام جريدته ملاذه الأخير في القسم الثقافي ...!
· هل بات الإعلام سيفا مسلطا على الثقافة وأهلها ... ؟
· وإلى أي حد يلعب التلفزيون دورا محوريا في جذب الناس إلى البرامج الثقافية ؟
· المشكلة حقاً في المادة الثقافية المرئية أو المقروءة أم في المتلقي الذي ما عاد يؤرقه إصدار كتاب أو توقف رواية أو موت شاعر ... ؟
تداعت أفكار وأسئلة كثيرة أمامي وأنا أعد هذه المداخلة .. هي ربما أسئلتي الملحة يومياً التي تشكل قلقي المهني والحياتي بشكل عام . .
- هل فشلنا في دورنا كإعلاميين في ربط الناس بالثقافة وربط الثقافة بالحديث اليومي ؟
- هل قدمنا ثقافة إنسانية الطابع ، منفتحة على الآخر وليست معادية له، فليس بوسع أي أمة اليوم ، ومنها أمة العرب وأمة الإسلام أن تنغلق على ذاتها وتعادي الثقافات الأخرى كما تريد وتنادي بعض الجماعات ؟
- ما هي الأزمة الحقيقية لعرض المواد الثقافية في قنواتنا الفضائية، هل هي:
- (أزمة معلن – تحويل) – أم (مقدم برامج ذو قدرات وكفاءات عالية) أم (سياسة وتوجه المحطات وقناعات القائمين على العمل التلفزيوني)! !
- أين نحن من التواجد بين الإعلام الثقافي الفضائي الكوني؟
- إلى أين تسير تجارب بعض الإعلاميين الجادة على تلفزيوناتنا العربية ، ما مصير هذه البرامج الجادة والقيمة. هل ينتظرها الأثير فقط !
- هل نمتلك اليوم آليات التعتيم الفني والموضوعي لبرامجنا الثقافية أم القطيعة بين المثقف والتلفزيون حال دون إيجاد حوار حقيقي يخدم ثقافتنا بشكل عام؟
إن البناء الأساسي للثقافة العربية قائم على التجانس (Homogeneity) حيث تمثيل عاملا التاريخ واللغة رافدين رئيسيين لخلق نسق ثقافي متجانس بين الشعوب العربية .. ولا يخفى علينا أن التبادل الثقافي العربي يتم حالياً على مستويات عدة : فعلى المستوى الجزئي (Micro) يمتزج الأفراد في علاقات مصاهرة أو عمل أو صداقة على مستوى الوطن العربي ، ويرتفع معدل الحراك الاجتماعي داخله يما يرفع من درجة التقارب الثقافي ، وعلى المستوى الأشمل (Macro) تعكس وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية أنساقاً متقاربة في أغلب البلاد العربية ، مما يعني أن أهم مؤسستين في التنشئة الاجتماعية (بجانب الأسرة) تساهمان في تحقيق تجانس الثقافة على مستوى الوطني العربي ..
إلا أنه في داخل النسق الثقافي العام للوطن العربي توجد أنساق ذات خصوصية تابعة لكل بلاد عربي على حدة – حيث تتمايز العادات والتقاليد بين شعب وآخر، ويمتلك كل قطر رموزه وتراثه وطموحاته الخاصة به، بما يعني وجود ثقافات فرعية متنوعة داخل الإطار الثقافي العام للوطني العربي ..
ومن ثم فإن الاتصال الثقافي العربي سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى وسائل الإعلام الجماهيرية يمكن أن يطلق عليه اصطلاحا الاتصال داخل الثقافة وهو الاتصال القائم على التنوع الثقافي في إطار نسق ثقافي عام ينتظم كل أقطار الوطن العربي . .
وبالتالي فإن هذا البناء الثقافي المتميز يخلق مناخاً للاتصال الإعلامي الناجح على مستوى الشعوب العربية، أي بعبارة أخرى: فإن الاتصال داخل الثقافة العربية بين الشعوب العربية يحقق الميزات التي ذكرناها سابقاً للاتصال بين الثقافات بعيداً عن التأثيرات السلبية له وما سيتتبعه من سيادة ثقافة على أخرى ، وهو ما أشارت إلى أهميته كتابات عدة من " ضرورة أن تطور الدول النامية سياسياتها الاتصالية القومية لتحقيق أهدافها التنموية وإعادة تأكيد سيادتها الثقافية وحماية تراثها الثقافي " في مواجهة أشكال الاتصال الأخرى بثقافة واحدة وهو ما بين أهمية التبادل الثقافي بين الدول العربية باستخدام التكنولوجية الحديثة وأبرزها القنوات التلفزيونية الفضائية، وأهمها – إذا توفرت الظروف الملائمة والدراسة الوافية – قناة ثقافية عربية([3]) (قيد الحلم)
من الضروري ، ونحن بصدد الحديث عن أهمية استخدام البث التلفزيوني الفضائي لخدمة الثقافة التطرق إلى الجمهور المستهدف للمادة الثقافية في الإعلام المرئي .. كيف يمكن تحديده وهل يشمل فقط جمهور المبدعين والمنتجين للثقافة أو جمهورية النخبة المثقفة ؟ !
هناك عدة معايير يمكن الاعتماد عليها لتحديد الجمهور المستهدف للبرامج الثقافية، حيث ذهبت بعض الدراسات إلى اتجاهين في بحوث الجمهور وتحديده الأول:
السمات الديموغرافية وتشمل: النوع – والسن، والموقع أو المنطقة السكنية ، والتعليم والحالة الاقتصادية والاجتماعية، فمثلاً يتطلب إنتاج برامج للشباب في المرحلة العمرية من 18 إلى 35 سنة تحديد نسبة الذين ينتمون إلى تلك الفئة العمرية وتوزيعهم حسب النوع وغير ذلك من البيانات التي تساعد على تجويد الرسالة الموجهة إليهم وجعلها قادرة على تلبية احتياجاتهم، أما الثاني: فهو السمات السيكوغرافية ويشمل تحديد تفضيلات الجمهور، وعاداته، وقيمه، وأساليبه الحياتية وكلا المدخلين مهمان لتحديد الجمهور المستهدف لبرامج ثقافية مقترحة ..
إن التلفزيون يلعب أخطر الأدوار بالمعنيين السلبي والإيجابي .. وحري به أن يلعب دور كبيراً في نشر الثقافة بالعالم، ثقافة إنسانية الطابع بعيدة عن كل تعصب قومي أو ديني أو أيديولوجي ..
ولكن، هل يتم تقديم الثقافة ، والمعرفة الأدبية والإبداع الفني والأدبي والفكري بقوالب تحبب الناس بالمادة الراقية والرصينة ، وتقرب المسائل والقضايا المعقدة أدبية وعلمية وتاريخية واجتماعية وفكرية وفنية بحيث تكون قريبة من الأذهان..؟!
إن قراءة فاحصة للمشهد الثقافي تلفزيونياً وتحديد القوالب والأشكال الفنية التي تعرض المضمون الثقافي مسألة لا تشكل أهمية في معظم الأقنية الفضائية ، بل أصبحت في ذيل اهتماماتها، حيث ينُظر إليها في الغالب أنها مادة ثقيلة الظل وليس لها جمهور والبرامج الثقافية بشكل عام لا تحقق نسبة مشاهدة ولا تجذب المعلنين..
لذلك اقتصرت الأشكال الفنية في:
1- نشرات وتقارير إخبارية.
2- عروض كلامية (Talk shows).
3- مسابقات.
4- مناقشات المائدة المستديرة.
وبالنسبة لجمهور الصفوة تشير الدراسات إلى أن الصفوة في أي مكان في العالم لديها الكثير من الانتقادات للتلفزيون نظراً لاتساع الفجوة بين توقعات الصفوة وبينما يقدمه التلفزيون، مما يعكس حجم الاحتياجات الثقافية والسياسية التي تطمح الصفوة إلى إشباعها من التلفزيون.
وبالإضافة إلى الصفوة تستهدف البرامج الثقافية الجمهور العربي العام أيضاً، الساعي إلى تثقيف نفسه والإطلاع على الحركة العربية الثقافية، حاضرها أو تراثها، ففي دراسة على عينة قوامها 1325 مفردة ظهر أن نسبة 94.6% منهم يشاهدون قنوات تلفزيونية أجنبية، وجاء من بين دوافع مشاهدة هذه القنوات الأجنبية أنها تقدم أفلاماً جديدة لم تعرض في التلفزيون المحلي، وإنها تقدم برامج منوعة ممتازة، وتمكن من متابعة الأخبار والأحداث مما يشير إلى أن تقديم المواد الثقافية من شأنه أن يلبي احتياجات كثيرة لدى كل من الصفوة والجمهور العام، مما يتمشى مع إحدى نظريات الاتصال التي تذهب إلى أن الجمهور ليس سلبياً، كما كان ينظر إليه في السابق، بل يتسم بالإيجابية، هذه الإيجابية تجعله أولاً يشعر بالاحتياجات الإعلامية التي يسعى إلى إشباعها، ومن ثم تجعله ثانياً يبحث عن مصادر إشباع تلك الحاجات والانتقاء من بينها، وبناء على ما يرغب في إشباعه يتحدد حجم تأثير الرسالة، وبالتالي فإن الراغبة في إشباع الاحتياجات المعرفية والثقافية بين الجمهور ستؤدي إلى تحقيق المادة الثقافية أثراً كبيراً على زيادة معارف الجمهور العام وإدراكه.
5- شكل المحاكمة.
6- أفلام وبرامج تسجيلية.
ومن ثم فإن الاستفادة من الثراء الذي يتمتع به التلفزيون فيما يتصل بالقوالب الفنية المتعددة التي تستخدم لمعالجة مختلف الموضوعات الثقافية – يكاد يكون نادراً بل تقليدياً في معظم الأحوال.
لذلك يعيب معظم المشاهدين أن البرامج الثقافية العربية منفذة فنياً بطريقة سيئة تنقصها الكثير من عوامل التشويق الفنية وتكاد الطاولة المربعة أو المستديرة مع كتابين في الخلفية أحد المعالم الثابتة في تلك البرامج الرتيبة !!
وقد ثبت أن الصورة لا تقاومها إلا صورة تملك الدرجة نفسها من القوة والتعبير والمصداقية. كما ذهب د. عبد الله الغذامي في كتابه (الثقافة التلفزيونية) سقوط النخبة وبروز الشعبي، يقول: (لقد ظل الأدب على مدى قرون متعاقبة هو الخطاب الأكثر شعبية عند كل الأمم، وكان هو الممثل الحقيقي لضمير أمة وهو العلامة على ثقافتها . . . . غير أن هذه الصورة الثقافية التقليدية قد أخذت بالتغير في زمننا هذا، ولقد جاء التغير مع اختراع الصورة المتحركة كوسيلة للتعبير، في السينما أولاً ثم في التلفزيون، ثم حصل الانفجار الكبير مع ظهور البث الفضائي التلفزيوني الذي عمم الصورة ووحد الاستقبال) وفي مكان آخر يقول، في نفس الدراسة :
( الصورة اليوم هي ثقافة وفكر وإنتاج اقتصادي وتكنولوجي وليست مجرد متعة أو محاكاة فنية، هي لغة عصرية يشترط فيها تطابق القول مع الفعل وتمثل الحقيقة التكنولوجية بما أن الصورة علامة تكنولوجية ومؤشر إنتاجي ومنطق مستقبلي ) . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق