سيرة

شاعرة وباحثة أكاديمية وعلمية في الحقلين الثقافي والأدبي / خبيرة إعلامية للعديد من الدورات التدريبية المتخصصة في مؤسسة دبي للإعلام،ومساهمة في تميز المؤسسة عبر إطلاق أوائل البرامج الثقافية الحوارية على مستوى الخليج العربي / حائزة على جائزة المرأة الديناميكية للعام 2011 على مستوى القارات من جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية، لتنال بذلك أول جائزة عالمية تمنح لقصص نجاح نساء حول العالم قدمن تجارب مضيئة، ولتدرس قصتها لطلبة الجامعة ضمن أكبر شبكة عالمية (أون لاين) / ترجمت قصائدها إلى سبع لغات / حاصلة على دكتوراه في النقد الأدبي - تقدير امتياز عام 2004م

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

انفجار فضائي عربي




أسئلة وتأملات حول الفضائيات العربية وعلاقتها بالثقافة
د. بروين حبيب


استهلال
أفكار كثيرة تزدحم في رأسي وأنا أكتب هذه الكلمة عن التلفزيون والثقافة، والمقصود علاقة التلفزيون بحركة الثقافة، بالإبداع الأدبي والفكري والفني. ولكن من منظور شخصي أقرب إلى الشهادة المبنية على التجربة والملاحظة الشخصية، منه إلى الدراسة الموثقة.
وأنا متأكدة أن هذه الأفكار والتداعيات حول المشهد الثقافي المتلفز، أو دور التلفزيون في نقل المشهد الثقافي، إنما هي شأن مشترك، كما هي الممارسة التلفزيونية، بيني وبين زملاء لي هي الحقل الإعلامي، وهو ما جعل غالبة منا تشترك في انتباهها إلى أن المضمون الثقافي لا يشكل هماً، ولا أهمية كبيرة له لدى القائمين على الاقنية الفضائية العربية، بل إنني أجزم أنه يقع في ذيل اهتماماتهم، في بيئة إعلامية أقل ما يقال فيها إنها مغتربة عن الثقافة، وقد تأصل عندها أن تنظر إلى الشأن الثقافي على أنه بلا جمهور، وعلى المادة الثقافية أنها "ثقيلة الظل"، لا تحقق النسبة المرجوة من المشاهدة، ولا تجذب المعلنين.

وقبل أن ندخل في لبّ المسألة، كما أراها وأتفكر بها، أود أن أشير إلى أنني، حتى لا أكرر كلاماً قيل، لم أقف عند نظريات الاتصال الجماهيري، أو أستعرض ما يسمى بـ"ثقافة الصورة"، و"الثقافة التلفزيونية" جزء منها، وقد درسها مثقفون ومفكرون أوروبيون كبار، من أمثال الفرنسيين دوبريه، وبوردو وبارت، وغيرهم، وأخذ عنهم مثقفون عرب من أمثال عبد الله الغدامي في كتابه "الثقافة التلفزيونية.. سقوط النخبة وبروز الشعبي" وغيره، وقد تركت هذا الأمر لسواي يتعمق به، فورقتي لن تكون ورقة "نظرية" ولا هي "رشيتة" حلول للمشكلات والقضايا التي تتطرق إليها، ولكنها شهادة شخصية تطرح أفكاراً وتأملات وأسئلة غير شخصية، لنتفكر بها. ولتكون في رصيد النقاش المطروح حول التلفزيون وعلاقته بالثقافة.

***
في الوسط الثقافي ينظر إليّ الأدباء والمثقفون كإعلامية، وفي الوسط الإعلامي كشاعرة ومثقفة، عندي ليس من تناقض في أن أكون إعلامية وشاعرة وأكاديمية معاً، أو مثقفة، في مصطلحات الوسط الثقافي. لكن هذه الحالة هي حالة إشكالية بامتياز. وتصلح أن تكون نموذجاً معبراً عن الخلل.
فلطالما اعتبر المثقفون الأوروبيون (ونقل عنهم العرب) التلفزيون "ثقافة واطئة"، Low Culture أو ثقافة شعبية. لكن هذه النظرة تبلورت في مجتمعات التلفزيون فيها ليس نافذة للدولة على الناس، كما هو حاله في العالم العربي، ولكنه منبر إعلامي حر، يملكه المجتمع، ويسهم فيه المواطن الأوروبي بقسط مالي سنوي منتزع من ضرائبه. وبالتالي فإن ثقافة رجل الشارع الأوروبي، وثقافة المجتمع بطبقاته المختلفة حاضرة وممثلة في هذا التلفزيون..ويستطيع المشاهد الأوروبي أن يؤثر يقدم لائحة بطلباته التلفزيونية ويحصل عليها. وعليه فإن حق هذه الشريحة الاجتماعية أو تلك مكفول في أن تحدد موقفها من التلفزيون ومن الثقافة التلفزيونية بشفافية، ومن دون عقد تذكر. "ثقافة واطئة" رغم كل ما يعتد به من برامج ثقافية مرموقة في التلفزيون الأوروبي. فبأي مصطلح نصف "التلفزيون العربي" المغترب عن حركة الثقافة، والذي يعتد أهله انفسهم بضجرهم من شيء اسمه ثقافة. ولا يضيرهم بتاتاً وصف تلفزيونه بالخفة، بل إن الخفة عندهم إطراء ومنزع وأربٌ وأداء حسن؟
***
من ناحية أخرى فإن التلفزيون في المجتمعات العربية، كان حتى الأمس القريب، وربما ما يزال إلى اليوم، وإن بدرجات متفاوتة أرضاً محرمة. فهو مملوك من الدولة، ويعتبر بوقها ومنبرها وشرفتها المشرعة على المجتمع والعالم. وأحياناً مدفعيتها الثقيلة ضد هذه الدولة أو تلك، أو هذا وذاك من الخصوم الداخليين والمنافسين الخارجيين.
***
وبدهي أن تفاوت وضع التلفزيون والفرق في صورته بين هذا البلد العربي وذاك عائد إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا البلد أو ذاك. والتغير النسبي الحاصل في وضع التلفزيون العربي عموماً فقد جاء على محمل سياسي أساساً، وبفعل مدخلات سياسية وليس انطلاقاً من تطور اجتماعي ثقافي، لهذا البلد العربي أو ذاك.
لقد شهد العالم العربي هبّة فضائية، اقتضت معها ساعات البث الطويلة توظيف جسم إعلامي عربي متزايد. في هذا المناخ من النمو الفضائي المحموم اتسعت حصة "الثقافي" في التلفزيون، وبات الطلب على "فقرة" الثقافة أكبر، بل إن بعض الفضائيات العربية في الخليج خصوصاً حاولت أن تسوق نفسها قنوات شبه ثقافية، أو اقرب إلى الثقافة بالمعنى الواسع والشعبي للكلمة. ولم يكن ذلك متاحاً أو ممكناً في العالم العربي لولا حادثين كونيين كبيرين، الأول هو تفكك الاتحاد السوفيتي ونهاية التجربة الشيوعية في شرق أوروبا، وبالتالي سقوط ما كان يسمى بالثنائية القطبية، في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وما ولده هذا الحادث الكبير من ثقافة جديدة في العالم هي ثقافة "الديمقراطية الغربية" وانعكس رجة ضخمة في العالم العربي وحيرة إيديولوجية وثقافية مفتوحة على الاحتمالات، والحادث الثاني هو الحادث التراجيدي الذي وقع في 11 سبتمبر سنة 2001 في نيويورك، فقد فتح هذا الحادث الباب في العالم كله لمناقشة الإسلام من وجهة إعلامية ثقافية، واعتبار الإسلام ثقافة عنيفة، وبالتالي تحول الرجة العربية بفعل نهاية الثنائية القطبية إلى اضطراب سياسي ثقافي، بانتظار التغيير. فالعالم كله يتغير، ولكن كيف سيتغير العرب؟. سيتغيرون تلفزيونياً فقط. وسيكون التغيير نسبياً. وعلى رغم الخلل في الكفة ضد المسلمين والعرب في العالم، فقد تدفقت على العالم العربي مصطلحات ومفردات ثقافية جديدة وسمعنا كلاماً، ورأينا برامج تلفزيونية ورحنا نتناول مصطلحات من قبيل "صراع الحضارات"، و"نهاية التاريخ"، وراجت في السوق الفضائية مفردات "الأنا" "الآخر"، و"الشرق" و"الغرب"، و"نهاية الإيديولوجيا:"، و"الإسلام والحداثة" و"الإرهاب" إلخ.... وصارت هذه المصطلحات مادة تعلكها وتبتلعها الفضائيات العربية ليل نهار على ألسنة متكلمين سياسيين متلعثمين وآخرين فصحاء، وبرز جيل جديد من المعلقين التلفزيونيين، في السياسة، والعسكرية والاقتصاد، ولاحقاً في الفكر، يمتلك لغة اقرب إلى الثقافة الحديثة في مصطلحاته منه إلى الثقافة التقليدية، أو المحافظة، وشيئاً فشيئاً صار لدينا نحن العرب معلقين ثقافويين أولاً في السياسة. ثم في كل شيء، من الصحة العامة، إلى الجريمة والأزياء، وصولاً إلى أعقد القضايا والظواهر الاجتماعية والفكرية وأخيراً الثقافية المحضة. ولكن هذا الجيل الجديد من المعلقين جيل من الثقافي أكثر منه جيل عضلات ثقافية حقيقية..إنه جيل يغرف مفرداته من نهر الانترنت، ويتكلم بلا حساب، ولا حسيب.. ومن دون أن يكون هناك من يرد الكلام إلى مصادره.. لقد صار الكلام مباحاً.. نعم، ولكنه صار بلا اهل. فكل الكلام لكل الناس، ومن دون تمييز. وهذا الخلط للأوراق، هو في العمق منه ضد الثقافة لأنه يساوي بين المهرج والمفكر، وبين مبتكر الكلمة ومستهلكها. وبين المثقف الحقيقي والجاهل المقنع بقناع المثقف. التلفزيون أكفأ وسيلة لتزييف الثقافة. والترويج للزيف، ومن ثم تكريسه. وهنا خطورة هذا الجهاز العصري.
***
مهدت بهذه الطريقة لأصل، إلى القول أن انفجاراً فضائياً عربياً وقع، وأن العالم العربي استجاب، وإن بطريقة غير منظمة، ولعلها فوضوية مرات، لنداء التطور على الصعيد الإعلامي.
***
والطريف أن ما كافح من أجل تكريسه جيل من المذيعين والمذيعات التلفزيونيين الخليجيين من أمثالي، في السبعينات والثمانينات وبعض التسعينات على صعيد توطين :الثقافة" بمفهومها الأدبي في التلفزيون، في ظروف غاية في الصعوبة،  بدت أشبه بمن يمشي في حقل من الشوك، من دون أن يتمكن هذا الجيل من زحزحة إدارة التلفزيون عن موقفها المعادي لـ"الفقرة الثقافية" الجادة، الطريف أن هذه الإدارة نفسها، ظهرت عليها فجأة مع التطورات العالمية التي أشرنا إليها "عوارض ثقافية"، وباتت تتكلم بمصطلحات الثقافة التلفزيونية الجديدة، بل إن بعضها سبق إلى الأمام وصار يتحدث عن شيء اسمه "ثقافة التلفزيون" و"ثقافة الصورة"، وليس مجرد علاقة التلفزيون بالثقافة، أو علاقة الفقرة الثقافية بالتلفزيون. ومع إدارات من هذا النوع بتنا، نحن الإعلاميين الذين عشنا مراحل أساسية من الصراع بين الإعلامي المثقف والإدارة التلفزيونية المحافظة في خضم جديد من التطلعات الإدارية التي اعتبرت التلفزيون نفسه "ثقافة" قائمة في ذاتها، وربطت نفسها شكليا بالثقافة كحقل منتج للمعرفة، وراحت تتعامل مع الحياة الثقافة انطلاقاً من حاجات "الثقافة التلفزيونية القائمة في ذاتها"، وهي في حقيقة الأمر، مستهلك رديء للمعارف. وليس منتجاً لها.
***
وهكذا ظهرت الحاجة لـ"الشاعر النجم"، وليس للشاعر المبدع، وللروائي ذائع الصيت، وليس للروائي الجيد، وللكاتبة المشهورة بسبب "تجرؤ" كتابتها على القيم، وليس الكاتبة الجريئة صاحبة الكتابة العالية، و"المفكر المنتشر"، وليس المفكر العميق صاحب الأفكار المضيئة، و"الداعية السطحي" اللاعب بالكلام، وليس الداعية الورع والنزيه، و"الموسيقي الاستعراضي المتثاقف"، وليس الموسيقي الملهم والمبدع، فالتلفزيون يحب "النجوم"، نجوم الادب والثقافة والفكر، ويختارهم مما يطفو على السطح، بحق وبغير حق، ليضاهي بهم (وليكونوا على قدم المساواة) مع المطربة الكبيرة "منفوخة الشفتين" المشهورة رغم محدودية صوتها، والمغني الكبير الذي راج بسبب أغنية يتيمة، والممثل التلفزيوني المشهور،  والممثلة التلفزيونية المشهورة، وهكذا.. فالقياس هو الشهرة ومتطلباتها، و"مستوى" الناس واهتماماتهم. وهذان يحتاجان إلى بحث ودرس عميقين، فليس كل بسيط ويسير وتافه مما تقدمه الفضائيات للناس باسم "مستوى" الناس و"اهتمامات" الناس، هو ما يريده الناس فعلاً. فمن تجاربنا كتلفزيونيين نعرف أن هناك إداريين في محطات الفضائيات يفرضون اليسير والبسيط والتافه على مشاهدي التلفزيون بحجة أن "الجمهور عايز كده" بينما هو في واقع الأمر ما يريدونه هم. بل ما يطابق تصورهم الشخصي للأشياء ليس إلا.
***
لكن هذا السلوك في رؤية كل شيء "نجومي" و"نجمي" استقبال النجوم وتوديع النجوم والانشغال بالنجوم، هذا السلوك التلفزيوني "المائع"، إنما يحمل في جوهره وعرضه معاً تكريساً لثقافة "الشائع" و"الشيوع" و"الشائعة"، للسطحي والمسطح، للموجود ولا فضل لك بوجوده، بينما الثقافة طبقات فوق طبقات وليست مجرد قشرة على السطح ننشغل بها ونعرض عن سواها،  حارمين التلفزيون هو وجمهوره من الغنى الكبير الذي تذخر به الثقافة تحت طبقة السطح. هذا إذا بقي فينا شيء من الحكمة القائلة بأن اللآليء تطلب من الأعماق. 
***
على أنني أحبذ هنا ان أكون موضوعية، وأفرق بين التجربة الشخصية للإعلاميين الجادين، في كفاحهم على أكثر من جبهة لتحقيق ولو جزء من تطلعاتهم، وبين الواقع الموضوعي وما يسمح به. لقد ولى الزمن الرومانسي في النظر إلى الأشياء..  بتنا أكثر براغماتية وأكثر واقعية في النظر إلى الأشياء. وانطلاقاً من الواقعية في التفكير، يقتضي الحال أن نطرح الأسئلة حول ما نريد وما لا نريد، انطلاقاً مما يمكن أن نحققه وما لا يمكن تحقيقه.
لكن ذلك لا يمنعنا من الحلم، ومن التمرد على المألوف، وطرح اسئلة شاغلة، اسئلة لا تلتزم بسقف المطروح من الأسئلة حول علاقة التلفزيون ببيئته المجتمعية منجاً للثقافة، ومستهلكاً للثقافة. وفي هذا المعرض أسال أسئلتي واسئلة غيري:

هل التلفزون جهاز منشط للوعي ومحفز للجمال، وملهم للخيال والفكر؟ أم هو جهاز مخدّر؟

هل يمكن خلق توازن بين ما يسمى "الثقافة التلفزيونية" و"الحياة الثقافية" و"ثقافة المجتمع"
بمعنى آخر هل يمكن الموازنة في برامج التلفزيون بين ما هو امتاع وموانسة، وبين ما هو فكر وثقافة وقضايا توصف بأنها جادة؟

بمعنى أكثر تحديداً، كيف يمكن إصلاح الخلل الفادح في "ثقافة التلفزيون" التي تميل بصورة فاجعة لصالح "الطرب اليومي" و"حديث النجوم" المحشو بالسخف والخالي من كل طرافة، وهذا يدور بعد، أو قبل نشرة اخبار مبلولة بالدم، وفي ظل ظروف عربية أقل ما يقال فيها إنها فاجعة؟

وعند هذه النقطة يجعلني قلقي من الحال التلفزيونية العربية أسأل نفسي وكذلك ومحيطي من الإعلاميين: هل أتيحت لنا الفرصة، وجربنا وفشلنا في دورنا كأعلاميين في ربط الناس بالثقافة، وربط الثقافة بحياة الناس اليومية؟

هل أتيح لنا، ولم نتمكن من تقديم ثقافة إنسانية الطابع، منفتحة على الآخر القريب والآخر البعيد في ظل محيط عالمي متموج بالأفكار والأعمال والتطلعات؟

من يملك التلفزيون العربي اليوم.. الدول؟ العائلات الحاكمة؟ الأحزاب والجماعات السياسية ؟ أمالشركات الاقتصادية؟ أم غيرها.. وما علاقة أولوليات هذه المرجعيات بالناس وثقافتهم؟ ولمن تشتغل لمصلحتها أم لمصلحتهم؟

هل يمكن أن ينشأ نقاش حول المادة الثقافية التلفزيونية واولوياتها ومستواها الإبداعي جمالياً وفكرياً، وهل يمكن أن تتحدد جرعات المادة الثقافية ودرجتها وكثافتها وتوجهاتها  استناداً إلى دراسة حقيقية لما تذخر به الحياة الثقافية العربية؟

ما هي حقيقة الأزمة في علاقة القنوات الفضائية بالمادة الثقافية: هل هي أزمة معلن-تحويل، أم أزمة مقدمي برامج من ذوي الكفاءات العالية؟ أم هي أزمة سياسة وتوجه أعلى من المشرفين على العمل التلفزيوني؟

هل يطلع القائمون على العمل التلفزيوني العربي على البرامج الثقافية والمعرفية الجادة جداً في المحطات العالمية: الفرنسية الإنكليزية الألمانية خصوصاً؟ هل هم على اطلاع كيف يجري تمويل هذه البرامج مثلاً؟

هل تنتبه إدارات الفضائيات العربية إلى أن السياسة التي تنتهجها في اختيار الضيوف والموضوعات والقضايا، أدت إلى غربة التلفزيون عن المبدعين والمثقفين وهم جسم كبير جداً؟

هل يمكن خلخلة الصيغة القائمة بين التلفزيون وحركة الثقافة لصالح جدل وحوار حقيقيين حول مختلف القضايا وفق أجندة جديدة وتعاقد جديد بين التلفزيون وأوسع فئات ممكنة من المبدعين والمفكرين بما يخدم الثقافة والمجتمع ويجعل من الفضائيات نوافذ حقيقية مشرعة على كل الجهات؟


وعليه، هل نستطيع أن نامل بقيام حوار حقيقي على الفضائيات حول ثقافة المجتمع يفتح الأقنية المسدودة، ويساعد المجتمع على تبني ثقافة الحوار والقبول بالآخر على قاعدة الاحترام المتبادل بين الأنا والآخر؟ بما يكبح ثقافة العنف ورفض الآخر، انطلاقاً من أيديولوجيات غاضبة؟

هناك من  بين المشرفين على الفضائيات من لا تبتعد ثقافته عن (أو تزيد على) ثقافة العموم، أنا لا اخاطب هذا البعض، لكنني أخاطب أهل القرار الذين قالوا لنا ان هذا هو الشخص الذي سنستأمنه على ثقافة المجتمع والأجيال الجديدة.. فالأجيال الجديدة هي النسبة الأكبر في مستهلكي البث التلفزيوني..

ختاماً
في رأسي عشرات الأسئلة الشاغلة، ولكن وحتى لا أطيل عليكم أعود إلى درجة الصفر (بالإذن من رولان بارت) وأسال: ترى هل على الإعلاميين التلفزيونيين المعنيين بالثقافة ابتكار صيغ جديدة تحبب إدارة التلفزيون بالثقافة قبل أن تحبب بها الناس.. فالناس ربما تطلب منا الثقافة بجرعات أقوى؟ ومن متابعتي الشخصية لبعض البرامج الحوارية مع الجمهور في بعض الفضائيات تمكنت من سماع اناس من الجمهور يتحدثون ببلاغة اكبر من تلك التي يتحدث بها مقدمو البرامج أنفسهم، وأحياناً بعمق أكبر وبقدرة لافتة على عرض وجهات نظرهم بإيجاز قد يعوزنا نحن المذيعين ومقدمي البرامج، وهو ما يجعلني أرى، بثقة كانت تعوزني قبلاً، أن الثقافة تُصنع في كل مكان، وأن التلفزيون ليس بالضرورة المنبر الأمثل للثقافة، لكنه المنبر الأخطر بالتأكيد، لما له من سلطة تأثير على قطاعات واسعة من الناس. وكلنا نعرف أن بعض الشخصيات الأدبية والعامة صنعت لنفسها شأناً عن طريق الفضائيات. بل إن فئة من المثقفين ولدت من رحم الفضائيات، وتدين لها بوجودها وانتشارها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق