بروين حبيب تلج ذاكرة الناس بالشعر!
متابعة:علي السترواي ( جريدة الأيام / العدد 4857 / 20 يونيو 2002)
ضمن النشاط الداخلي لأسرة الأدباء والكتاب التقي محبو الشعر، أمسية شعرية للشاعرة بروين حبيب وذلك يوم الأحد الموافق 10/6/2002 بمقر الأسرة ولكن الشاعرة المرهفة تتمتع برؤية جميلة في مدّ جسر الشعر وربطه ذاكرة الروح.قدمت الشاعرة مجموعة من قصائدها التي ضمها ديوانها الجديد وأيضا بعض ما كتبته من قصائد جديدة ولكأن للحضور شيئا أدخل الفرح، حيث الحضور كان على غير المتوقع ضمن هذه الأمسيات الداخلية للأسرة، ولكن لحظوة الشاعرة جعل هذا الجمهور يتفاعل مع أدائها حيث اكتفى بسماع الشعر، مبتعدا عن الجدل الذي يعقب كل أمسية، ظل الشعر هو المهيمن في سماء الأمسية وعن القصائد التي ضمتها الأمسية قصيدة "اناث امرأة ما":
هل كنا،
في قياماتنا الأليفة نخترع الحزن
أم نقرر الرحيل إلى نوم آخر جديد
…
سيدة الأحلام المزمومة
ما عداها كل الخرائط تمنحك شهوة النصوص الغائبة
بعيدا عن حرياتها
كنت تضعين روحي على مقربة من السر
وتبتكرين فراغا الزورديا
كان غير الشعر،
غير اللغة،
غير الإرث
وردة كونية تستديرنا
نار تخلعنا لحظة الكتاب،
معاكنا نمارس السؤال
من الملاحظ في هذا المقطع من النصوص المعنون "اناث امرأة ما" أن الشاعرة قد ابتعدت عن المفردة النزارية، وتركت فضاءها نحو المفردة التي تمثلهاكشاعرة لها كينونتها، وفي رؤية حملت الشاعرة بعدها نحو فضاءات الدنيا في نهارات اللغة المفتوحة عبر بوابات الشعر والنبض الحنون.فهي تراها تقول في هذا النص:
لامرأة محفوفة بالبخور
حين تضيء الحب
كما الخمرة في الغياب
توقد الصقيع
أصلي
إنها تشكل أبعادها الهندسية للغة في فضاءات امراة لازالت تأخذ ما مداها من الحب نحو سرية اليوم والذاكرة العالقة بالعشق.
وفي قصيدة أخرى مهداة للروائي عبدالله خليفة نراها تقول:
نفتح صوفية الحلم
خارج الليل
تهطل الفراش
وتأخذ شكل الكتابة
اخرج من أنثاك الصاخبة
وارتك الحزن يضيء جسر الليل،
كأن البراءة حارسة القلب
أغنية تنتظر العشاء
في قارورة تشرب الخوف..
هكذا هي بروين حبيب حينما تشكل لغتها تستعصى عليها لغته الأنثى، حيث تظل معها على رغم عصيانها المرأة التي تأخذ بالشموع نحو عتمة الكون لتفتح نوافذ الغربة وتشعل أوجاع الحروف وهي بهذه اللغة تنداح في أبعادها لتترك لنا ستان الشعر مفتوحا على مصراعيه.
وبهذه اللغة المفتوحة بالبوح والحنين، ظلت بروين مشغولة بنهارات أكبر من رؤاها.
ومن الملاحظ أن بروين قد حملت مشعلها لتتلمس به أوجه الحرف وها هي قد علت صهوته لتقول للشعر:إني معك، ورغم أبعادها التي جاءت في فضاءات الحرف لديها، تظل بروين باحثة جيدة في قاموس الأنثى، لا أقول نزارية، ولكن أقول أنثوية تحنو على الشتيلات لتترك عليها رحيقها وتسكن قمعها رغم جفاف الرد.
إنها صورت قدم نفسه دون تكلفة ودون مرشد يدلها على الدرب، هي بحياكتها اللفظية والشاعرية قد قدمت بعدها واستنكفت بتشنف الآذان وهي في مملكتها البعيدة القريبة من زمن البوح.
ولم اقل البعيدة إلا من فضول ما للمستمع من وحشة قد تركها على هذا الشعر، وأما القريبة فهي لازمة الكون الذي علمنا أننا على رغم تعدد فنوننا، يظل الشعر سيدها وهو الحاجة الكبرى لنا.ونوافذنا المفتوحة.
في نهاية الأمسية أثنى الجمهور على بروين وعلى جديدها، واستكفى بالشعر مستمعا.
وقبل أن اترك هذه الحروف اترك شيئا من الشعر لبروين في قولها:
امشي، والفجر يملأ الصو
إلى سدرة الاحتمال
إلى اين؟
تأخذيني جمرة الالتقاء
فالخريف يحصد هديره المقدس
أمام "جداري" توعى الشكل
***
لو غادرنا بعضنا
وأوقدنا ضجة أنفاس
لم تزل تنتزع سر الخضرة
في العنب المهاجر..
ولم يهدأ الشعر ففي هذا المقطع نختم رؤانا من قصيدة "اناث امرأة ما"
حين استعلت نهارات بروين انداحت قائلة:
متأهبة في خجلي
في خديعته الخافتة
أرسمك امرأة
مصطفاة من الريح
ثوبها معلق في بكاء فارغ
يتهجد قصيدة أخيرة
من هنا قد استوطن الشعر بوحه وحتم ذاكرتنا لبوح آخر، أنه المشتعل بفيض الرؤيا..
داخلا بنا كل دهاليز الكون..إنه المسكون بفيض الألف الواقف، والباء المستريحة في نهر الحرف.
واترك البوح للبوح في شعر الرؤية الواعية، لأرسم اننا مع بروين كنا في أمسية لم يفسدها الشعر، بل ظل الشعر يتأوه راكضا في مداه.
وهكذا صمت المستمع، وانزاح الشعر في ذاكرة الناس، واقفا يستعرض الحرف، ويرسم المشهد في لقاح متواصل مع حرفنة المداد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق