بقلم: فاتن حمودي*
(مجلة الرؤى / العدد 5014 عام 2002)
تضعنا بروين حبيب في مجموعتها الشعرية الأولى "رجولتك الخائفة..طفولتي الورقية" ازاء كتابة أنثوية في تجرؤها وبساطتها وطرحها لموضوعات الرغبة والحب والجسد، كتابة تتحرر من المكبوت والمحظور والمسكوت عنه لكنها لا تقع في شرك (الكليشيهات) المستهلكة والإباحية المفتعلة التي نادرا ما تقع فيها الكتابة النسائية المعاصرة مرد فعل على المحرم والممنوع.
فالأدب الأيروسي في كتابتها ليس مفتعلا أو متقصدا، بل هو لسان الطبيعة وتجلياتها، فالشاعرة تضعنا أمام دهاليز رغباتها وتكتفي بالإيماء المكثف على جسدها من خلال حواره المتكافئ أحيانا مع الرجل، أو من خلال نداءاتها الجريئة متكئة في ذلك على ذاكرة تنبش أعماقها وتعيدنا إلى تجربة مرت بين المرأة والرجل باعتبارهما كائنين صافيين في الدور والملامح وتجعلنا نشعر بحنانها وعشقها.
النبيذ يفك لي ضفائري
والغياب يشتهي
لا يفعل الشعر عند بروين سوى ما يفعله الحب والذي يعيدنا إلى بكارة الأشياء لنقول إن الشعر جسد طفولي. والجسد هنا فعالية مستمرة للحواس والرغبات والطيران فوقها، ولنا التجربة تنورها اللاذع الذي يمضي بنا مسرعا كما تفاصيل الحياة اليومية. والحب لا يقف عند لحظات الجمر فقط بل يتعدى إلى رماد الذاكرة والصوت برجعة البعيد.
(اتقاد –هبوب-زهو) قصائد نثر قصيرة فيها اختزال لحالة عشق، العشق ببعده الضوئي، والضوء ببعده الذكوري وجدلهما معا في حالة التوقد والهبوب.
في قصيدة"سرير يتيم" والمؤلفة من ثلاثة مقاطع تدخلنا الشاعرة إلى عالم الدهشة لترتفع القصيدة بلغة العشق والحوار، الحوار مع النفس، واستحضار صوت الآخر..
وفي قصائد (المخمرية –رفيف- شيء بارق) تهرب اللغة إلى نور آخر، غموض آخر وتأملات مفتوحة لتتركك في نفق البحث وتثير التأويل، وهكذا تنتقل من المثير إلى الأكثر إثارة ومن المدهش إلى الأكثر إدهاشا.فالقصيدة تحتاج إلى تأمل وإلى تحليل دلالات ورموز وكأننا أمام قصيدة تمضي بنا نحو فضاءات مفتوحة فتتركنا أمام سؤال: هل انتهت القصيدة؟
وهكذا قدمت الشاعرة بروين حبيب في مجموعتها الأولى "رجولتك الخائفة..طفولتي الورقية" وجها من وجوهها بأسلوب مواجهة وقاموس عنيف، حاد وعاصف..لم تقل رجولتك الخائفة "عنوانا" وإلا لوضعتنا أمام تحد صارم وقوة مجهولة يخشى جانبها، بل أردفت "طفولتي الورقية" لتدل على هشاشتها الرجولة أمام الطفولة والطبيعة الأولى التي تريد أن تكون نفسها وكانت تلك المرأة مأثرة أخرى تضاف للشعر والشاعرة.
*كاتبة سورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق