بقلم: الروائية التونسية آمال مختار
( مجلة المرأة اليوم / 2005)
اسمك هو عتبة شخصيتك، برغبة من والديك وبتدخل خفي من الأقدار، توشمت شخصيتك باسمك رفيق دربك، وممثلك والمفتاح الذي يدخلون به إليك.
اسمك لافتة مشفرة يقرأها من استطاع إليها سبيلا فيفك الشيفرة ويلج عالمك، وهو عالم مثير مهما كنت وأينما كنت. إنه عالم الإنسان العجيب.
لفت اسمها انتباهي، وفي البداية لم أقدر أن "بروين" هو اسم امرأة. ظللت أتابع الإعلان عن البرنامج الذي سيحل موعده يوم الأحد. وطوال تلك الفترة امتدت على مساحة ثلاثة أيام كنت قد انشغلت بالبحث عن معنى هذا الكلام "نلتقي بروين حبيب".
بعد تفكير خمنت أن ضيف هذا البرنامج هو بروين حبيب. ومنها حرصت على متابعة الحلقة حتى أعرف من يكون هذا "بروين حبيب" وكان في ذهني أن الخصية رجل.
عندما جاء الموعد فوجئت بأن بروين هو اسم مقدمة البرنامج وأنه اسم امرأة جميلة ناعمة كنسمة الصباح. شدني الحوار الثقافي الذي أرادته مع شخصية الشخصيات الثقافية المعروفة عربيا. وأعجبت بالبرنامج بالرغم من أنه لم يأت بالجديد لا في شكله ولا في إطاره. غير أن كل السر يمكن في رأس هذه المقدمة السمراء الجميلة والتي تتمتع بـ"كاريزما" عالية تجعل كل من يشاهد برنامجها يتعلّق بها وبه. وعندما عدت لأنتبه إلى اسم البرنامج "نلتقي مع بروين حبيب" لأعلم مدى الذكاء الذي وضع به العنوان واستخدم فيه اسم معدة البرنامج ومقدمته كتعويذة حر المتفرج وشده إلى هذا العمل الثقافي التلفزي.
وهنا نعلم أن الموعد مساء كل أحد هو موعد مع بروين لنلتقي بها فتهدينا ما اختارته لنا من التجارب الثقافية والإنسانية العربية التي نتعلم منها. إن لم يكن الكثير فالقليل يكفي من تجربة حياة هي بمثابة الكتاب. بعد كل تلك الحصص التي تابعتها في أماسي الآحاد على قناة دبي الفضائية، ظل اسم بروين طلسما لم أفهم معناه إلى أن التقيتها صدفة في مهرجان المبدعات العربيات في تونس. فوجدتني أنجذب إليها وأقبلها. ولك يكن من عادتي تقبيل الغرباء لأسلم عليهم. لكنها لم تكن غريبة عني مطلا، لقد كنت أشعر بامتلاء شديد وثقة عالية بأنني أعرفها جيدا. بل إنها في أعماقي كانت صديقتي قبل أن التقيها. وكانت أوّل أسئلتي إليها هي: ما معنى اسمك: بروين؟
بملامحها الطفولية البريئة المختلفة تماما عن وجه المذيعة المزوق من أجل الأضواء والكاميرا ضحكت وقالت:هو أول سؤال يلقى عليّ دائما! اسم فارسي يعني يرقة الفراشة لامرأة بحرينية خليجية تعمل في عالم الشهرة والأضواء وحاملة لدكتوراه في الآداب العربية.
يقول مثل شعبي تونسي:"إلّي سمّاك غنّاك" ويعني أن من أطلق عليك اسما فقد أهداك ثروة. وكذلك كان الحظ مع بروين. لقد أحسن والداها تسميتها ,إذا باسمها دليل الناس إليها. إلى اختلافها، على تميزها، والحقيقة التي أعترف بها أن بروين هذه المرأة المتألقة ساهمت من حيث لا تدري وأدري في تصحيح صورتي المشوهة عن المرأة الخليجية، حيث كنت أعتقد- مخطئة طبعا – أن المرأة الخليجية هي تلك القابعة في منزل فخم لا تدري من الدنيا شيئا سوى آخر صيحات الموضة في عالم الأثاث واللباس والعطور والماكياج. إنها امرأة بلا هم بلا وعي بلا قضية. هكذا كنت أعتقد – غير أن بروين وكثيرات مثلها – غيّرن رأيي القاسي والخاطئ عن هذه المرأة التي شقت بجهدها الذاتي وتعبها وحرصها على نيل حريتها فإذا هي مذيعة متألقة ومطربة مثقفة وعنيدة مثل شمس الكويتية، ,إذا هي كاتبة مثل ظبية خميس، ,إذا هي مقدمة برنامج جريء وصاحبة قضية مثل برنامج "حدث بلا حرج" وإذا هي ممثلة رائدة ومثقفة مثل حياة الفهد وسعاد العبد الله.... وهي أيضا مدرسة وأستاذة جامعية ودكتورة في شتى المجالات.
كذلك اكتشفت المرأة الخليجية وقدرتها الكبيرة على العمل والعطاء رغم العراقيل الكبيرة التي تواجهها في بلادها كما هو الشأن بالنسبة للمرأة في كل البلاد العربية. وإذا ما حالف الحظ المرأة في تونس بأن وقفت الدولة إلى جانبها فساهمت في تحريرها بوضع مجلة الأحوال الشخصية ثم تطويرها بعد ذلك لتصبح من أكثر القوانين جرأة وقدرة على حماية حقوق المرأة في تونس. فإن أختها في الخليج العربي لم تلق مثل هذه المساندة على مستوى القانون.
وبتشجيع من بعض الأميرات والشيخات الواعيات المتفتحات وبعض الآباء الذين نالوا من العلم والثقافة النصيب الكبير خطت المرأة في الخليج خطوات لا بأس بها نحو حريتها، أضف إلى ذلك رغبتها هي الذاتية في نيل هذه الحرية التي لن يكون الإنسان إنسانا من دونها.
في زيارتي إلى دبي لألتقي بروين حبيب في برنامجها التلفزيوني، التقيت أيضا المدينة الخليجية التي بهرتني، والحياة هناك التي غيرت رؤيتي إلى أشياء كثيرة.
كانت الواحدة بعد منتصف الليل بتوقيت دبي، عندما فتحت بروين باب شقتها ودعتني للدخول قالت ونحن نقف في الردهة:"هذه أول مرة أستقبل فيها ضيفا من ضيوف برنامجي في بيتي"، علمت عندها أن صداقة متبادلة نشأت مع هذه الفراشة الخليجية.
تلفتّ حولي فطالعتني مكتبة خشبية أنيقة مزدحمة بكتب الشعر والرواية وعيون الكتب العربية. توقفت أقرأ بعض العناوين. محمود درويش، نزار قباني، بول كويلهو، واسيني الأعرج...وكتب أسماء، إنها تقرأ ما اقرأ تقريبا.. تقدمت خطوات في شبه العتمة وإذا أنا في بيت أعرفه جيدا.. لكنني نسيت أين رايته. هذه الأرائك الواطئة المغلفة بجلد النمور أعرفها، وهذه الوسائد الملقاة على الزرابي أعرفها بألوانها البنية والبيضاء. وهذه الستائر الحريرية المعلقة بطريقة اللامبالاة فيها من الفن المسرحي لمسة خفية أيضا أعرفها. هذا الخشب البني لمسته على كراسي غرفة الأكل. وهذه العرائس ولعب الأطفال التي تزين غرفة المكتب ألم أعانقها فبل الآن؟! وهذا المطبخ الصغير الجميل، الأنيق المزدحم بالتحف وقفت فيه قبل مجيئي إلى هنا. وهذا الحمام الذي تشتهي أن تنام فيه لا أن تستحم فيه من فرط نعومته وجماله ألم أختر ديكوره بنفسي؟! وأخيرا هذه غرفة النوم، لو هذه الغرفة المسحورة بمراياها وسريرها الخشبي وستائره ومفارشه الحريرية وألوانه المخملية والوردية..هذه الغرفة، نعم هذه الغرفة غرفتي. زوقتها بنفسي وصنعت إضاءتها في الزوايا بنفسي واخترت بخورها بنفسي وأغدقت عليها من روحي، هذه الشقة شقتي...وهذه الروح التي تحوم فيها روحي..
عندما غادرت الشقة فجرا لأعود إلى الفندق بعد سهرة ثنائية ثقافية معمقة مع بروين حبيب أتممنا خلالها البرنامج التلفزيوني الذي كان قصيرا على الهواء أحسست بانقباض في قلبي، لقد كنت أحسّ أنني أغادر بيتي، بيتي الذي سكنته في أحلامي وسكنته عزيزتي بروين في الواقع. إنه منزل الحرية الذي تحلم به كل امرأة في شبابها. لكنهن نادرات أولائك اللاتي يحققن الحلم. وهذه بروين واحدة منهن..فهنيئا لها باختلافها ومجدها وبيتها وهنيئا للمرأة الخليجية بحريتها وتقدمها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق